السلطة والجيش في تركيا: درس اردوغان

يكتب يوسي بيلين، في “يسرائيل هيوم” ان الحل الذي اوجده مصطفى كمال اتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية، للحفاظ على الدستور، تمثل في جعل الجيش مسؤولا عن تطبيق الدستور. وكان هذا هو الترتيب الذي ضمن نوعا من استقرار السلطة، لكنه شكل تناقضا للاطار الديموقراطي، الذي يعبر عن رغبة الشعب، وليس عن تحليل الجنرالات لكيفية تطبيق الدستور. وكان اردوغان بالذات، حين كان رئيسا للحكومة، هو من دخل في صراع مع القيادة العسكرية لبلاده، ونجح بتقييد قوة الجيش الى حد كبير.

كان هناك من انتقدوه لأن ذلك لم يكن الا جزء من حملته لشل مراكز القوة المختلفة في بلاده (السلطة القضائية، وسائل الاعلام والاطار التعليمي – الديني الذي اقامة كولن، مؤيده السابق)، ولكن الاتحاد الأوروبي واخرين رحبوا بالخطوة، لأنها لاءمت المفهومالديموقراطي الذي يعتبر الجيش منفذا لتوجيهات الحكومة وليس مراقبا لها. وكانت تلك هي الخطوة التي قربت تركيا (نظريا على الاقل)، من العضوية في الاتحاد الاوروبي.

إقرأ أيضاً: كيف تصف اسرائيل الرجل الذي افشل الانقلاب في تركيا؟

محاولة الانقلاب التي صدمت الجميع، اثبتت بأن سيطرة الجيش ليست خطوة بسيطة، وان تغيير السلطة (كما حدث في مصر مع انتخاب مرسي وانتصار الاخوان المسلمين) لا يمكن ان يقود الى انقلاب فوري في اكبر واهم تنظيم في الدولة. والحديث عن ضباط امضوا عشرات السنوات من حياتهم في الاطار العسكري، وبلوروا مفاهيمهم خلال تلك السنوات، ولا يغيرونها بشكل فوري مع استبدال السلطة. حقيقة نجاح اردوغان في مرحلة معينة بمحاكمة مجموعة كبيرة من الضباط، بل واستبدال القيادة العليا للجيش، لا تقول ان الضباط الآخرين اقتنعوا بشكل اقل بعدالة طريقه. بل ربما حدث العكس. يمكن القول الان ان هذا الانقلاب كان يجب ان يكون اقل مفاجئا مما حدث. لم يكن بالإمكان منع محاولة الانقلاب فقط بواسطة الشبكات الاجتماعية. من يدعي ان هذه الشبكات استبدلت ميدان المدينة تعلم مدى خطأ هذه المقولة خلال الليلة الحاسمة بين الجمعة والسبت. لقد دعا اردوغان الناس للخروج الى الشوارع، فوصلوا الى المطار والشوارع والجسور والميادين، واوضحوا للمتمردين بأنهم سواء يؤيدون الرئيس او يعارضون بشدة سياسته وسلوكياته، الا انهم لا يريدون العودة الى سنوات الدكتاتورية العسكرية (بكل ابعادها السياسية والاقتصادية)، وانهم يفضلون الديموقراطية المعيبة على سلطة الجيش المتكاملة ظاهرا. لقد لعبت الشبكات الاجتماعية دورا في نقل الرسالة، ولكن لو بقي الشبان الاتراك في البيوت لكان الجيش هو الذي يحكم انقرة اليوم.

إقرأ أيضاً: الجزيرة تحصل على نسخة من مخطط الانقلاب في تركيا

المحللون يتوقعون قيام اردوغان الآن بفرض قوته واستغلال محاولة الانقلاب الفاشلة لتبرير المس الفظ بشكل اكبر بحقوق الانسان وفرض سيطرة اكبر على وسائل الاعلام من اجل منع تكرار الحدث. التقدير هو انه سيحاول مرة اخرى تمرير التعديل الدستوري في البرلمان، لتوسيع صلاحياته (رغم انه نجح بإقامة نظام رئاسي، عمليا، دون اجراء أي تغيير دستوري). آمل ان يكون بين المقربين منه من يقترح عليه عمل العكس، وتذكيره بأنه هو، الى حد كبير، من جلب هذا الوضع على نفسه، حين بنى في قصر الألف غرفة لديه، غرفة اضافية زائدة. اذا قام الرئيس التركي بعمل ما يتوقع منه الآن، ستكون المعارضة الديموقراطية او الثكنات العسكرية هي التي ستظهر له الطريق الى الخارج.

السابق
مشروع قانون اسرائيلي ضد الفيسبوك
التالي
لا رئيس للبنان هذا العام.. متى الحل؟