العدوانية… ثمرة الحرمان وثقافة التحريم

إن ظاهرة العدوان شهدتها كافة الشعوب والحضارات والثقافات. فأدلوجة العنف والتكفير والابادة والاستعمار خاضتها الشعوب الغربية كما هي حال الشرق اليوم لكن السؤال المهم يكمن عند اشكالية لماذا تحضّر الغرب وتخلّف العرب مع العلم الحضارة والثقافة خرجت من بلادنا العربية؟

ان الحديث عن ظاهرة داعش واخواتها ولغته وادبياته في العنف والتكفير والغاء الاخر ليست محسوبة فقط على العقيدة الاسلامية كما يخيّل عند الاغلبية الشعبية. ففرنسا عندما غزت الجزائر مارست نفس الاجرام ومارسته الولايات المتحدة مع الهنود الحمر واسرائيل في فلسطين، والصراع الديني بين الكاثوليك والبروتيستانت، اضافة الى الكثير من الاحداث التاريخية، كالذي جرى الهرسك والبوسنة وكسوفو وبورما والشيشان وغيرها.

فالعدوان اساسه ليس الدين بقدر ما هي ازمة عصابية لتناحر الاديولوجيات والثقافات والهويات القاتلة التي تحدث عنها امين معلوف في كتابه ” الهويات القاتلة” المسألة بل صلب القضية في الثقافة العربية بحد ذاتها المبنية على أُسُس “تحريم لاءات”، حيث الكل ينسب لنفسه انه يملك الحقيقة المطلقة. فالصراع اليوم مع من يدعي انه يملك الحق والحقيقة. ولو عدنا الى اهل الحق والحقيقة وتباحثنا في عقيدتهم، لوجدناهم مجرد وعّاظ يرطنون على انغام الحق والباطل، وهم يجهلون جوهر الحق والحقيقة وتحديداً حقيقة الانسان والبعد الانساني. لذلك انطلاقاً من هنا، يضعنا هذا المشهد السريالي امام قضية لاهوتية صرف وهي لماذا يسمح الخير المحض بالشر في المعتقدات التوحيدية مادام الله ، يمثل كل ما هو جميل. هذا الصراع بين الله والمادة يجب تشريحه بالعمق بابعاده الثلاثية اي السيكولوجية والاجتماعية والفكرية.

ان مأساة ابليس لا تعبر سوى عن اعتراض وتمرد لكل اشكال النظم واللاءات والتحريم التي فرضتها الذهنية التوحيدية من خلال المطالبة بالحرية والاستقلال ورفض التبعية لخالقها. هذا العصيان لم يات من عبث فالله يقول سفر اشعيا : انا الرب صانع كل هذا (السلام والشرّ والظلمة والنور). فالله اعطى الانسان كل شيء ووضعه امام كل الاحتمالات وجاء بلسان كل الانبياء والعصور حتى ان في القرآن اية تعزز هذا المضمار “وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ” فالله بالاساس ترك حرية الاختيار لإمتحان النفوس والعقول لكن ماذا يفعل بعقول الناس ان كانت مغلقة وعمياء، ويؤكد الله في القران في اية ﴿فَإِنَّها لا تَعمَى الأَبصارُ وَلكِن تَعمَى القُلوبُ الَّتي فِي الصُّدورِ﴾ .

وطبعا المقصود بالقلوب اي العقول حيث كان القرآن يهيب بالناس ويهتف بهم قائلاً: ،،،، أفلا تتفكرون ،،، لعلكم تفلحون… وتبصرون .

داعش

اذا المسالة ليست بالدين وبالنص بقد ما هي ازمة تاويل وفهم وثقافة حياة ومن يمسك بعقول المؤمنين. ان القضية ليست ان اكون ملحدا او علمانيا او متدينا، ربما اكون كافرا وعالما زنديقا. سئل ابو السعود العمادي مفتي الاسلام في عهد السلطان سليمان القانوني عن اليزيدية هل يجوز قتالهم فيكون لنا اجر عظيم لانهم لا يتبعون ملتنا؟ فكان حد السيف على رقابهم واسترقاق نسائهم في اسواق المسلمين اسرى كسائر الكفار ويحل لهم التصرف في ابكارهم وزوجاتهم.

يقول شيلر واصفا المنطق القديم ان ان الحقيقة في ضوء المنطق المطلق واحدة، والاراء يجب ان تكون متفقا عليها ومشورة وما يحدث هو العضبية العنصرية القائمة على ثقافة التطهير والغاء الاخر من خلال تمجيد الموروث وحقيقته وبيئته، فما ذنب الايزيدين، الم يولدوا في بيئة اسلامية، وبحسب شيلر ان الانسان اسير المنطق القديم اي عقيدته وبيئته، في حين ان المفترض به التعرف على الأفكار القديمة والحديثة، اي الاستقلال عن الارث والعقيدة واعادة تجريد النفوس قبل العقول من هيمنة الموروث عبر استحداث نظم كونية جديدة قائمة على مبدا انسنة الاصول أو لا انانية الاصول، ومراعاة الضمير الانساني التي تقوم على الفلسفة الايكولوجية التي تعتبر الانسان نفسه جزءاً من الطبيعة ومكوناتها وتعلّم كيفية احترام هذه المكونات في مجملها.

ولوصف ادق، يقول سارتر في باكورة اعماله اي ” الوجود والعدم” هناك ثلاثة مستويات للوجود هي: الوجود في ذاته (للاشياء) والوجود لذاته (الانسان) والوجود لغيره( لعلاقة الذوات ببعضها من حيث هي موضعة متبادلة او الجحيم بذاته).

إقرأ أيضاً: داعش… الوحش المفيد؟

ناقش سارتر عدوانية الانسان في سوء النية فحددها على انها هروب من تحمل المسؤولية عبر الكذب على الذات وهي هروب من حرية الاختيار في المواجهة حيث يجد الانسان نفسه مرميا في ظروف لم يصنعها، وتحدد خلفيته وهويته او يفكر ككائن لذاته عنده مطلق الحرية في مواجهة واقعه وتغيير شروطه وهذا يتطلب اعادة تنشئة اجتماعية تحرر الانسان من معتقله الاجتماعي والارثي والفكري العقائدي على اساس احترام الاخر لخصوصيته وفكره وخياراته في الحياة عبر ارادة القوة التي تحدث عنها نيتشه، من خلال تغذية المعرفة عند الانسان وتلبية حاجاته المباشرة المادية والروحية وانفتاحه على العقل والعلم والحرية المطلقة للضمير الانساني عبر علمانية روحية متسامحة وثقافة ديمقراطية.

واستكمالاً لما سبق، من المهم جداً ان تترافق هذه المعطيات مع اضاءة فرويد فلسفته في علم النفس التشريحي حول علاقة العدوان بالنزعة الاوديبية اي عقدة النقص والحرمان والكبت عند الانسان لكبح ميوله في مراحل مبكرة، معتبراً انه كلما كان الانسان محروماً، كلما كان عدوانيا وعصابياً في نظرته مع الاخر.

إقرأ أيضاً: إدارة التوحش:داعش نموذجاً

لقد قلّ الصدق في مجتمعاتنا فالدين افيون الشعوب اذا تم استعماله بشكل سيء كما هي حالة الانتحاري المهووس بعقيدة الجنة وحور العين اللواتي قتلنه ولم تحي قتلاه فهذا كله من تمظهرات الكبت والحرمان يجيشون النفوس، ويعتقلون العقول باوهام وعقائد كاذبة كفكرة الجنة والنار والجنس وقصة ادم وحواء وابليس. فهل الله حقا يريد شعبه مغبونا وضعيفا وجاهلا ليحرمهم حق المعرفة والحياة. ولنسلم جدلا ان الثمرة التي كانت حصيلة العصيان والتمرد على قوانين ونظم الله لماذا يخلق الله ابليس والشر معه ؟

حقيقة ان العدوانية هي نتاج الانسنة الناقصة للإنسان التي لن تتحقق الا مع ثقافة الدولة وروحانية المدنية والديقراطية الفكرية التي حث عليها ابن خلدون  قائلا” ان الدولة ضرورة لما في طباع البشر من العدوان الداعي الى التنازع ” .

السابق
بالفيديو: صاحبة أغنية «أنا دانا أنا دندن» إلى الساحة.. فكيف أصبح شكلها!
التالي
تقرير تشيلكوت أدان الحرب على العراق…وبلير لم يعتذر