حوار أم ملاكمة سنية شيعية؟!

أراد الشيخ محمد حسين الحاج رئيس "المجمع الثقافي الجعفري" ان يفتتح ناديا يتحاور فيه ممثلون عن المذاهب في لبنان، وكي لا تتحول مبادرته الى حلبة مصارعة سنية شيعية، قإنه طوّر اسلوبه من خلال اطلاقه لندائه الأخير تحت عنوان "معا نتواصل..". فهل سيقبل الطرفان بوساطته؟

منذ سنوات طويلة خاض السيد هاني فحص في مسألة الحوار، وعلى ما هو معروف كان مشاركا من خلال أوراق أطلق عليها اسم “أوراق الحوار”، ومن بين المشاركين كان أستاذي الدكتور موسى وهبة، والمفكر سمير فرنجية، وعدد لا بأس به من المهتمين. وقد جاءت “الأوراق” بمبادرة من الرئيس رفيق الحريري. وخلال فترة التسعينيات صدرت أيضا مجلة تُعنى بالحوار بين العرب والإيرانيين، وقبلها تألفت “اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي-المسيحي”، ومن بعدها “ربانيون” ومن ثم “أديان”، ومن ثم “ملتقى الاديان”، وبعدها “المجمع الثقافي الجعفري”، اضافة الى عشرات اللجان والمؤسسات التي لن أتمكن من إيرادها اسمائها جميعها هنا، والمدعومة بمعظمها من جهات أوروبية، جلّ همّها التقريب بين من كانوا -وهميّا أو شكليّا- أطراف نزاع في لبنان.

حاول رجال الدين المسيحيون والمسلمون تبرئة أنفسهم من أي دور لهم في النزاع الطائفي في لبنان، فشكّلوا عشرات اللجان، وشاركوا في مئات المؤتمرات ونظمّوا عشرات المسيرات والإعتصامات، وهم الذين لم يكونوا منخرطين بإرادتهم في الصراع السياسي، بل ان السياسيين قد استخدموهم بشكل او بآخر من أجل تسعير الحرب بين اللبنانيين واقامة السواتر بين أبناء الوطن الواحد.

وهذا النص ليس دفاعا عنهم، فبعض رجال الدين شاركوا ظنّا منهم أنهم يحمون أبناء رعيتهم وطوائفهم، وطمعا بمنصب هنا وهناك، وبتمويلات لمؤسساتهم الإجتماعية والإنسانية. ولكن العديد منهم كانوا أصحاب رؤى بعيدة حاولوا من خلالها كشف زيف السياسيين ونذكر منهم الأب الراحل غريغوار حداد، والمغيّب السيد موسى الصدر، والسيد محمد حسن الأمين.

ورغم سكوت أزيز الرصاص، وهمود صوت المدفع منذ العام 1991 الا ان السواترالنفسيّة لا تزال قائمة، لكن هذه المرة بين أبناء المذهب الواحد، وان كانت لم تخبُ كليّا على المحور الأول، من هنا شهدنا مؤخرا سعي أطراف مستقلة او ذات أهداف أعلامية ربما، من رجال الدين الى اعلان أنفسهم وسطيين بعيدين عن المذهبية، من خلال التأكيد على اللقاءات المزدوجة والجماعية مع أبناء المذهب الآخر.

وهنا اتكلم عن العلاقة بين السنّة والشيعة على وجه التحديد، بعد ان كان الصراع الديني قائم على قائمتين كبيرتين(المسلمون والمسيحيون).

السنة الشيعة

اليوم نرى الجانب المسيحي مقسّم ومقسوم بين المذهبين الاسلاميين، حيث يحاول كل من السنّة والشيعة شدّ الطرف المسيحي الديني إليه، نظرا لحاجتهما الى التأكيد على أحقيّة موقف كل منهما في الصراع الدائر في المنطقة خاصة في البلاد التي يوجد فيها مسيحيون كالعراق ولبنان وسوريا والأردن ومصر، ويحاول السنة والشيعة اظهار نفسيهما سياسيا كحُماة للأقليات- وان كانت هذه المفردة غير مقبولة أصلا-.

ومناسبة هذا الكلام هو التحرك الأخير الذي قام به الشيخ محمد حسين الحاج، رئيس المجمع الثقافي الجعفري، حيث أطلق نداءا أسماه (معا نتواصل.. من أجل المحبة والسلام) هاتان المفردتان أي المحبة والسلام ،هما المفقودتان تماما في مجتمعاتنا العربية خاصة ما بعد ثورات العام 2011.

إقرأ أيضاً: الشيعة: طائفة منتهية الصلاحية

فنلحظ اهتمام العلامة الحاج، في حركته الحوارية، بالطرف السنيّ بما يتناقض وحركة الثنائية الشيعية التي تقاطع جهات سنيّة معتدلة وعلى رأسها دار الإفتاء الشرعيّ، وتعادي الأطراف السنيّة المتطرفة والحزبية، ولا تُبقي الا على علاقة شكليّة مع رمز الإعتدال السنيّ سعد الحريري.

والشيخ الحاج، ومن خلال دخوله المتأخر كمؤسسة حوارية بإسم المجمع الثقافي الجعفري، الى حلبة الفلولكلور اللبناني الذي يُعني بالحوار تراه يهتم بالطرف السنيّ النقيض للعلاقة السليمة مع حزب الله بشكل خاص، في سعيّ ليقدّم نفسه مستقلا غير مرتبط بأحد.

فهل سينجح في رسم طريقه المستقل هذا؟ ام أن الطرف السنيّ القويّ حين يريد إعادة رسم العلاقة مع الأطراف الشيعية لن يتواصل الا مع أقوياء الشيعة؟ وهل أن الحوار له مكانه اليوم في بلدنا هارج اطار جلسات الحوار السياسية التي تعقد دوريا في بلدنا؟ وما هو مستقبل اية مقاربة سلمية عنوانها المحبة والسلام في عالم الدعشنّة الحالي في المنطقة؟ وهل ان مفردات ندائه التي يصنفها البراغماتيون بلغة خشبيّة مضى عليها الزمن يُمكنها ان تُصلح كمقدمة لمصالحة ما آتية تفيد الأجيال الجديدة؟

إقرأ أيضاً: ايران تعترف بوجود ازمة علاقات مع العرب عموماً والسنة تحديداً..

وعلى الأغلب أن النداء الأخير (معا نتواصل.. من أجل المحبة والحوار) يطرح نفسه وسيطا، لا لاعبا أساسيّا، لأن لكل من المتصارعين في المذهبين الإسلاميين قوته التي لن يتنازل عنها محليّا، وجمهوره الذي يتبعه.

وقد التقط الحاج الفكرة وسارع مبادرا الى التقرب من المعتدلين السنّة فاستبعد جمعية الامام المهدي الخيرية ذات الاسم المذهبي من حركة حواره ليتولى مع “المجمع الثقافي الجعفري” هذه المهمة الحوارية الخطيرة و الجليلة في بلدنا، في عصر داعش من جهة، وعصر الطموحات الاقليمية لإيران من جهة ثانية، بغض النظر عن من يقول انها مشروعة أو غير مشروعة.

السابق
فنيش: كل أزماتنا مع الفريق الآخر هو أنه لا يملك حرية قراره
التالي
بشار الأسد سيسقط حتماً… الحريري: قرار إيران مثل حلم ابليس بالجنة