إسرائيل وروسيا… أكثر من تفاهم… أقل من تحالف

اسرائيل روسيا

عبرت زيارة نتنياهو الأخيرة لروسيا عن عمق العلاقة المتنامية والمتطورة بين إسرائيل وروسيا، والحقيقة أن ما بين البلدين أكثر من تفاهم، وأقل من تحالف، ونقطة التلاقي الكبرى في سورية على مصالح مشتركة واستراتيجية تتقاطع عند بقاء نظام الأسد، وتدمير البلد ومقومات مناعته المختلفة، جاءت كتتويج لمسيرة الدفء في العلاقات خلال العقد الأخير.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» واللامبالاة المرضية

بدأت العلاقات بالتطور بين البلدين خلال العقد الأخير. وكان ثمة أسباب لذلك منها إعجاب، بل انبهاربالقادة اليمينيين الإسرائيليين القوميين والمتطرفين – يحكمون إسرائيل في العقد الأخير- بالرئيس الروسي بوتين، الذي هو في الحقيقة أيضاً، ورغم تهليل المنحبكجية جماعة بالروح بالدم أصحاب العقل الأسير خاصتنا يميني قومي متطرف ، ما أعجب الإسرائيليين خصوصاً طريقته في محاربة ما يصفوه بالإرهاب وتجاوزه، أو عدم اكتراثه بحقوق الإنسان، الشرعية الدولية، أو المواثيق الأممية الإنسانية الدولية، والإعجاب لا يقتصر فقط على صديقه والنسخة الإسرائيلية منه أي أفيغدور ليبرمان، وإنما تعداه ليطال النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة، حتى أن إيهود باراك، وهو يميني متنكر مجرم حرب موصوف دائم الترديد بإعجاب لعبارة بوتين سنلاحق الإرهاببيين حتى الحمام.
وهنا لا باس من التذكير بنقاش دار بين بوتين وإيهود باراك منذ سنوات حول رغبة روسيا ببيع مزيد من الاسلحة للنظام السوري وتحفظ تل ابيب على ذلك خشية أن يؤدي إلى كسر أو النيل من توازن القوى الذي يميل لمصلحتها حيث عمد الرئيس الروسي إلى طمأنة الإسرائيليين وعلى طريقته، قائلاً لنسخته الإسرائيلية الأخرى أي باراك: “ستظلوا أنتم الأقوى والمتفوقين، وما نعطيه لسوريا أسلحة دفاعية قد تمنعكم فقط من التحليق فوق غرفة نوم الأسد”.

سبب آخر للتلاقي بين البلدين تمثل برغبة بوتين في جعل روسيا دولة عظمى، ولاعب دولي مهم وشريك في رسم السياسات، وحلّ النزاعات. وعملت تل أبيب كي لا يرتد الأمر سلباً عليها، وكي لا تستعيد موسكو صداقاتها مع أعداء أو خصوم تل أبيب المفترضين. وهنا مثلت حرب لبنان ثم حرب جورجيا نقطة مفصلية بين الطرفين، أدت إلى مزيد من التنسيق والتفاهم بينهما، وبينما كفّت إسرائيل عن تزويد الجيش الجورجي بأسلحة نوعية أو تحويله إلى خطر على المصالح والتطلعات الروسية. بذلت موسكو جهوداً إضافية لمنع النظام السوري من إرسال أسلحة نوعية روسية إلى حزب الله، وتفهّم بل وغض الطرف عن كيفية دفاع إسرائيل عن أمنها، بما في ذلك شن الغارات ضد قوافل السلاح المتجهة من دمشق إلى بيروت. كما تضمن التفاهم آنذاك تأخير أو عدم تزويد موسكو للنظام السوري بصواريخ اس اس 300، وحتى للنظام الإيراني نفسه، الذي تستخدمه إسرائيل كفزاعة كما لحجب الانتباه عن احتلالها لفلسطين.

روسيا اسرائيل

الثورات العربية مثلت عامل تقارب إضافي بين البلدين، وطبعاً على قاعدة العداء لها. فموسكو تخيلت أنها مؤامرة غربية ستمتد فيما بعد إلى جمهوريات آسيا الوسطى الحليفة لموسكو التي تحكمها أنظمة استبدادية عائلية شبيهة بأنظمة الاستبداد والفساد العربية الساقطة، بينما فهمت تل أبيب أن الثورات ستخلق سيرورة تؤدي في النهاية إلى قيام دول عربية مدنية ديموقراطية – تكسر فرادتها الديموقراطية المزعومة – وتوصل ممثلي الشعوب الحقيقيين إلى قياداتها، وستطوى صفحة الأنظمة التي كانت ذخراً لها حرباً أو سلماً وفق العبارة الشهيرة لموشيه دايان نحن محظوظون بأعداء كهؤلاء.

بناء على ماسبق انعكست تلك المواقف والمصالح السياسية والمتينة تجاه سوريا وثورتها وبينما وضعت إسرائيل خطوط حمر أساسياً، تتعلق بمنع فتح جبهة الجولان ضدها، ومنع إيصال أسلحة نوعية كاسرة للتوازن إلى حزب الله مع منع تسرب أسلحة غير تقليدية إلى جهات معادية لها. أما روسيا فاعتبرت دائماً أن بقاء النظام يمثل مصلحة استراتيجية حيوية لها، ولم ترى في خطوط تل أبيب تهديداً لمصالحها، علماً أن تل أبيب لم تمانع منذ اليوم الأول للثورة فكرة بقاء النظام خاصة مع دعمها للفلول والثورات المضادة في دول عربية أخرى. وهكذا كانت القضية السورية عامل آخر لتمتين التفاهم ولتنسيق بين البلدين، خاصة مع الانكفاء الأمريكي عن المنطقة، ورغبة موسكو في استغلال الفرصة لملء الفراغ واستعادة دورها كقوة عظمى عالمية.
ثمة بعد تاريخي ونفسي مهم ساهم أيضاً في تمتين التفاهم بين موسكو وتل أبيب يتمثل بالحلف الأقلوي المذهبي الإقليمي – ذراعه العسكري الحشد الشعبي الممتد بطول وعرض المنطقة – الذي تقوده طهران والذي تدعمه موسكو، وتعتمد عليه كأداة من أجل تأمين مصالحها وعودتها إلى لعب دور إقليمي، ودولي مهم ومؤثر.

إسرائيل التي تصرفت دائماً كأقلية، وروّجت على الدوام لفكرة تحالف الأقليات في مواجهة الأكثرية العربية المسلمة، من الطبيعي أن تجد نفسها إلى جانب الحلف الأقلوي أي إلى جانب موسكو وحشدها الشعبي المدعوم أيضاً من الولايات المتحدة.
التدخل أو الاحتلال الروسي لسورية لم يؤد إلى التشويش أو النيل من وتيرة التنسيق والتفاهم بين البلدين، بل على العكس تم تشكيل لجان عسكرية عليا مشتركة لضمان عدم تضارب المصالح أو عدم حدوث أي اصطدام أو اشتباك غير مخطط – راهن بوتين رئيس الأركان الإسرائيلي على زجاجة فودكا إذا أخفت موسكو أي شيء عن تل أبيب – ورغم السيطرة الروسية على الأجواء السورية كقوة احتلال، إلا أن تل أبيب احتفظت بحرية الحركة لطائراتها وصواريخها، كما بحرية العمل ضد كل ما تراه تهديداً لأمنها سواء أكان ذلك سمير القنطار، ورغبة الحشد الشعبي في استغلال الورقة الفلسطينية للتغطية على حربها الإجرامية ضد الشعب السوري، أو قوافل السلاح التي عجز النظام عن حمايتها أو لا يستطيع استخدامها ضد الثوار، أو حتى ميل طهران التي تتحكم هي الأخرى بالنظام، ومفاصلها الأمنية المهمة في إرسال مزيد من الأسلحة للحزب ليس لمحاربة إسرائيل، وإنما لتقوية حزب الله كذراع وإداة لها في حربها الطائفية المجنونة، وهوسها في إقامة امبراطوريتها المزعومة الوهم الحقد الوهم والدم.

زيارة نتنياهو الأخيرة والاحتفال تل أبيب بمرور 25 سنة على العلاقات بين البلدين، مثلت مناسبة لإظهار الحميمية والعواطف وعمق، التفاهم، ولتنسيق بين البلدين، وانهالت الهدايا من طرف واحد طبعاً. بوتين أعاد الدبابة الإسرائيلية التي أسرتها المقاومة الفلسطينية وجنود الشعب السوري الأبطال، فى العام 1982، وأضاف عليها ملايين من أموال التقاعد للمهاجرين الروس لإسرائيل، وهو ما وصفه الوزير الإسرائيلي زئيف الكين بالاتفاق التاريخي الذي ما كان ليحصل لولا تدخل بوتين الشخصي في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعانيها روسيا، لا أموال لتقاعد القرم، ولكن للإسرائيليين ممكن.

بوتين بدا وكأنه يتبنى بشكل ما معادلة الطريق إلى واشنطن تمر بتل أبيب، إن لم يكن إلى البيت الأبيض. فالكونغرس والرئيس الروسي الذي يعتمد على مجموعة من رجال الأعمال اليهود المتنفذين يعتقد أيضاً أن لإسرائيل نفوذ وتأثير قوي ليس فقط في أمريكا، وإنما في أوروبا أيضاً من أجل تخفيف حدة العداء المتصاعد ضد موسكو والتأثير على المزاج المعادي لها، كما على وتيرة العقوبات المتصاعدة ضدها.

رغم دعوات ليبرمان وبعض اليمينيين المتطرفين للقطيعة مع أمريكا والغرب، والاستعاضة بالتحالف مع موسكو التي لا تتشدق بحقوق الإنسان، ولا تملك رأي عام حرّ، ولا تتبنى مقاربة عن ضرورة حل القضية الفلسطينية باعتبارها الأساس لمشاكل المنطقة، ورغم نفاق وتزلّف القيادة الروسية لتل أبيب الذي وصل إلى حد دعوة اليهود للاستيطان في جزيرة القرم – في تحديث غبي ومتغطرس لوعد بلفور – إلا أن المزاج الإسرائيلي اليميني القومي، هو غربي أساساً وهو يفهم أن روسيا نمر من ورق، وأنها غير قادرة على التحول إلى دولة عظمى حقيقية، رغم البلطجة الأممية الممتدة من أوكرانيا إلى سورية، والعقل الإسرائيلي الغربي يعي أن ثمة مصالح إسرائيلية موضوعية ينبغي الحفاظ عليها بالتنسيق والتفاهم، لكن دون الوصول إلى درجة التحالف مع الدولة المستنزفة المتراجعة اقتصادياً والممتدة فقط نتيجة الانكفاء الغبي اللئيم والبارد لإدارة أوباما المنصرفة في أي حال.

(اورينت نت)

السابق
عيب أن يموت الأب وأطفاله صغار…
التالي
فصائل الثورة تتمكن من فك الحصار عن داريا