امبراطورية الحريري تنهار.. والسعودية تتفرج

“السفير”: أمبراطورية الحريري تنهار.. والسعودية تتفرج

يأتي زائر مصري كبير وفق “السفير” إلى بيروت. يطرح أمام زملائه اللبنانيين سؤالا من خارج السياق: ما هو مستقبل الحريرية السياسية؟ هذا الزائر ندر أن يخوض نقاشا في أمر تفصيلي لبناني، وجرت العادة أن يطرح أسئلة الإقليم. والنظام العالمي قيد التكوين ومستقبل العلاقات الإقليمية وخرائط النفوذ التي ترتسم بالدم. وقضايا الفساد التي تطيح حكوماتٍ ورؤساءً في العالم، ولا تحرك ساكنا في العالم العربي. يأتي طرح السؤال عن “الحريرية” ربطا بمحاولة قراءة ما يعد للبنان من صياغات في الخارج، وهل يمكن أن تكون صورة نظامه السياسي في المرحلة المقبلة منفصلة عما يرتسم من حوله في البر والبحر، من الشرق والغرب والشمال والجنوب؟ وبالطبع لا ينفصل السؤال عن وقائع دامغة: تردي أوضاع “سعودي أوجيه” في السعودية إلى حد الحديث عن التنازل عن معظم أسهمها لمصلحة السعوديين، الأزمة الصعبة التي تعيشها مؤسسات الحريري في لبنان، نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة، علاقة سعد الحريري التي تشوبها التباسات كثيرة بأهل النظام السعودي الجديد وتحديدا بـ”المحمدَين”، انفتاح السعودية على معظم المكونات السنية اللبنانية، الأزمة السياسية المفتوحة وما أبرزته من شهية حريرية مفتوحة للعودة إلى السلطة، ولو من بوابة تبني سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. ولا يبدو السؤال بعيدا عن الرواية التي رواها وزير الداخلية نهاد المشنوق لمعادلة “السين – سين” والتي أعاد رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري تبنيها من حيث يدري أو لا يدري، ولو أنه اختار تقديم رواية نقيضة للتبني الحريري لفرنجية رئاسيا. ولا يحجب طرح السؤال من زاوية سياسية بحتة، قضية اجتماعية تقلق عشرات آلاف العائلات اللبنانية، ومثلها الآسيوية، ومئات العائلات الفرنسية، التي يمكن أن تجد نفسها فجأة على رصيف البطالة، بعدما شعرت على مدى شهور طويلة أنها باتت تفتقد لمنظومة الأمان الاجتماعي.

ووفق شهود عيان لـ”السفير”، باتت شركة “سعودي أوجيه”، على موعد شبه يومي مع أعمال احتجاج يقوم بها مئات العمال من جنسيات آسيوية، وآخرها في موقع مشروع “إسكان الحرس الوطني” في الرياض، وتمكنوا خلالها من كسر المكاتب الإدارية وإحراق أوتوبيسات الشركة، الأمر الذي فرض تدخل قوات الأمن السعودية، ولو بشكل متأخر، لوقف ما جرى وإلقاء القبض على عشرات العمال الذين كانوا يحتجون على عدم دفع رواتبهم منذ أكثر من أربعة أشهر، وكذلك عدم صرف تذاكر سفر لهم للعودة إلى بلدانهم بعد أن طلبوا صرفهم من العمل، وهم كانوا تلقوا وعودا من إدارة الشركة، مرارا بإنهاء إجراءات سفرهم ولكن. وتشهد الشركة منذ أيام إضرابا جزئيا لموظفيها في مكاتبها الرئيسية في الرياض، لا سيما السعوديين منهم، بسبب عدم صرف رواتبهم، فيما يلوّح آخرون بالإضراب العام المفتوح.

وفيما يمتنع مديرون عن التعليق على ما يحدث للشركة، وفيها، من تطورات تهدد وجودها ووجودهم، يقول مدير بارز لـ”السفير” إن إدارة الشركة لا تملك معطيات حتى تخاطب الموظفين، ويكمل ضاحكا: “عندما كان مطلوبا من الرئيس الحريري أن يتواجد في بيروت في السنوات الماضية، أمضى وقته هنا، ليكتشف متأخرا ضرورة عودته إلى بيروت، والعكس صحيح، أي أن الحريري مطالب اليوم بأن يتواجد في السعودية لطمأنة جيش الموظفين، خصوصا أن مصيرهم كما الشركة مجهول”. وتبدو مشكلة “سعودي أوجيه” متشعبة الأوجه:

–          تعاني الشركة من عدم وجود سيولة مالية تمكنها من ترتيب أمور عمالها وموظفيها بسبب عدم صرف وزارة المال المستحقات المالية التي للشركة على الدولة، وقد أدى ذلك إلى توقف العمل في جميع عقود مشاريع “سعودي أوجيه” المبرمة مع الدولة السعودية، وبالتالي صرف نحو عشرين ألفا من موظفيها وعمالها، وبلغ الأمر حد عدم قدرة الشركة ماليا على شراء تذاكر سفر لعمالها المصروفين من العمل، وبينهم الفرنسيون الذين تحولوا إلى مشروع أزمة ديبلوماسية صامتة بين الحكومة الفرنسية والسلطات السعودية (ثمة رسائل فرنسية كثيرة موجهة للحريري ولا أجوبة أبعد من كسب المزيد من الوقت).

–          تعاني الشركة من سوء إدارة فاضح ومن فساد إداري ومالي لا مثيل له منذ أن أنشأها الرئيس رفيق الحريري في نهاية السبعينيات، بعدما اشترى الامتياز من صاحبه الفرنسي بجزء بسيط من ماله وبجزء كبير من مال الملك الراحل فهد بن عبد العزيز (قبل أن يصبح ملكا)، وهو الأمر الذي جعل نجله عبد العزيز بن فهد شريكا في أعمال الشركة ومتحكما بالكثير من أمورها وقراراتها.

–          تعاني الشركة من تراكم للديون بمئات ملايين الدولارات مع الموردين والمتعهدين من الباطن، ومع مصارف، وأيضا مع جهات قدمت ضمانات شخصية لقروض لمصلحة “سعودي أوجيه”، ومن بين هؤلاء عدد من أفراد عائلة الحريري، الذين يخشون أن تبادر بعض المصارف إلى حجز أملاكهم أو ودائعهم بما يوازي قيمة الكفالات الضامنة للشركة، بناء على طلب وإلحاح سعد الحريري.

–          تعاني الشركة من رفع الغطاء السياسي السعودي عنها، خصوصا في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث أنها كانت في السابق تستحوذ على المناقصات بالتراضي، وبرعاية مباشرة من الديوان الملكي، وتحديدا من خالد التويجري، بتوصية من الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز. ولقد أدى رفع الغطاء عن الشركة إلى جعل الآلية الميكانيكية التي تربط الإقامة بالرواتب، تسري على “سعودي أوجيه”، فكان أن توقفت وزارة العمل عن تقديم خدماتها للشركة مثل تجديد تأشيرات العمل وغيرها، وهو الأمر الذي تسبب بعدم تجديد إقامات آلاف العمال والموظفين.

–          تعزز فرضية سعي شخصيات نافذة في السعودية إلى الاستحواذ على شركة “سعودي أوجيه” عن طريق تغطية ديونها المستحقة، ما يؤدي تلقائيا إلى تجرع سعد الحريري الكأس التي كان يحاول تفاديها، وهو التنازل عن أكثر من خمسين في المئة من أسهم “سعودي أوجيه”، لمصلحة مؤسسة التأمينات السعودية، وضمنا لمصلحة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وحول النقطة الأخيرة بالذات، يقول مدير في الشركة في الرياض لـ”السفير” إن الاستحواذ غير وارد لأن ما يصيب “سعودي أوجيه” يسري على الكثير من شركات المقاولات في السعودية التي تعاني من مشاكل مالية كبيرة بسبب عدم صرف مستحقاتها المالية مثل شركة “مجموعة بن لادن السعودية” التي قامت بصرف نحو 70 ألفا من عمالها، وشركة “السيف” للمقاولات، وهذه الأزمة بدأت تطل برأسها على شركة “المباني” التي يملك معظم أسهمها رجل الأعمال اللبناني النائب نعمه طعمة.

وتقول مصادر حكومية سعودية لـ”السفير” إن وزارة المال السعودية صرفت لـ”سعودي أوجيه” مبالغ كبيرة من مستحقاتها المالية كان يفترض أن تكون كافية لصرف عدد كبير من العمال والموظفين مثلما حصل مع شركة “مجموعة بن لادن”، لكن لا أحد يعرف أين ذهبت هذه المبالغ، وإن كان ثمة اعتقاد بأنها صرفت على بعض الالتزامات المالية الكبيرة لرئيس الشركة ومالكها الرئيسي سعد الحريري. وتنفي هذه المصادر ما تردد عن أن الحكومة السعودية لديها نيات لإعلان إفلاس “الشركة” التي قامت بمئات المشاريع في المملكة، والدليل استمرار عقود الصيانة لمعظم القصور والمقار الملكية، علما أن “سعودي أوجيه” لم تفز بمناقصات لمشاريع جديدة منذ نحو عامَين، باستثناء مشروع بناء قصر لأحد الأمراء في الرياض.

الحقيقة المؤكدة وفق “السفير” أن “سعودي أوجيه” التي كانت واحدة من بين أهم شركتَي مقاولات في المملكة، لم تعد كما كانت، ولم تعد الإمبراطورية المالية الكبيرة التي بناها مؤسسها ومالكها المرحوم رفيق الحريري، والتي جعلها إحدى أدوات القوة السعودية الناعمة في لبنان. ماذا عن مشاريع الحريري في “أوجيه تلكوم” في تركيا وحصصه في “البنك العربي” و”البحر المتوسط” وفي العقارات التي يملكها وتلك التي قايض إخوته بها وتبين لهم بشكل متأخر أنها “شبه وقفيات” مثل الـ”ليسيه عبد القادر” والرملة البيضاء، وماذا عن عقود الصيانة لمنازل قريطم وفقرا والناعمة وأوروبا وغيرها؟ للبحث صلة.

السابق
بعد طرابلس… هكذا يتمدّد ريفي في صيدا
التالي
توجه لـ «لحلحلة» في الأزمة بين سلامة و«حزب الله»؟