اللبنانية مايا نصر.. صاحبة الـ19 عامًا مسؤولة في «ناسا»!

تعود الطالبة مايا رضوان نصر، ابنة التسعة عشر ربيعًا، إلى ربوع بلدتها كفرفاقود – قضاء الشوف في جبل لبنان، لتمضي إجازة قصيرة تمتد حتى 24 حزيران، ولتبتعد قليلا عن علوم الفضاء، وتستمد من نسائم بلدتها العزم القوة، هي الطامحة لبناء “محطة فضائية”، لا لترفد العلم بدفعة من عطائها فحسب، وإنما لتحلق بعيدًا في سماء أحلامها الكبيرة.

 

وكان greenarea قد تابع في تحقيق سابق كيفية حصولها على أول منحة تعطى لطالب عربي في مجال الهندسة الفضائية، من جامعة MIT – Massachusetts Institute of Technology في الولايات المتحدة الأميركية. تخطت نصر السنة الدراسية الثانية بتفوق وحازت على تنويه أساتذتها، وحصلت على منح وجوائز عدة بناء على توصياتهم، فضلا عن فرص عمل في مشاريع عديدة، وهو “ما قد يحث طلابنا وطالباتنا على الإيمان بمستقبلهم”، وفقا لما قالته نصر، “وكي يؤمنوا بأحلامهم وبإمكانية تحقيقها رغم كل الصعاب”.

في حوار مع مايا عن مجال اختصاصها، كشفت عما توصلت إليه من أبحاث وإنجازات، فضلا عما واجهها ويواجهها من مشاكل وعقبات، باعتبارها لبنانية ما يرتب على ذلك معوقات كثيرة.

مايا نصر ناسا

وفي ما يلي نص الحوار:

لنتذكر أولا كيف وصلتِ إلى الولايات المتحدة الأميركية؟

 

كنت في الصف التاسع grade 9، وتقدمت لبرنامج (CCC Competitive College Club)، وهو برنامج من الـ AMIDEAST (مؤسسة تدعم الطلاب اللبنانيين المتفوقين للتقدم الى الجامعات الأميركية)، وقد ساعدني البرنامج للتقدم إلى الجامعات في أميركا، فضلا عن الامتحانات المطلوبة والمنح، وحصلت على منحة باسم (The Diana Kamal Scholarship Fund DKSSF)، وهذه المنحة ساعدتني بدفع كل مصاريف امتحانات SAT التمهيدية، وتأمين تكلفة الطلبات للجامعات في كل أنحاء العالم، ولأن طموحي هو التخصص بمجال الفضاء، وخصوصا الهندسة الفضائية Aerospace Engineering، أو مجال الفيزياء الفضائية Astrophysics، وعلوم الفضاء Space science، وبسبب أن هذه الإختصاصات غير موجودة إلا في مركزين في أوروبا وأميركا، وأهم هذه الجامعات في العالم هو في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Massachusetts Institute of Technology، وكانت فرصتي في هذه الجامعة، وقبلت في الإختصاص الذي أحلم به، بعد أن تقدمت بعلاماتي.

ما التحديات التي واجهتك خلال السنتين الماضيتين؟

 

في البداية، كانت هناك الفروق الثقافية Cultural difference، والصدمة الثقافية Cultural shock، أما أهم التحديات التي واجهتني وتواجهني دوما فهي أنني طالبة غير أميركية أو International، خصوصا أن معظم مجال عملي مع وكالة “ناسا”، وكوني لست أميركية فقد تعرضت لمشاكل عدة، ولا سيما أنني من لبنان ومن الشرق الأوسط، ومن حوالي 15 دولة أو أكثر يحظر عليها بعض المجالات، فمعظم المعلومات تخضع للسرية، فمثلا نتيجة لمسيرتي الأكاديمية وبتنويه من أساتذتي، فقد قُدم إلي عرضان لمشروعين، أولهما هو Starshade والثاني Mars Rover 2020 لصالح وكالة “ناسا” في كاليفورنيا في “مختبر الدفع النفاث” Jet Propulsion Lab JPL خلال فترة الصيف، إلا أنهم عادوا ورفضوا أن أشارك بعد استكمال كافة الأوراق للمشروعين بسبب جنسيتي، لذا تقدمت لبحث في “الكلية الملكية” Imperial College في لندن، بتوصية من أفراد في الهيئة التعليمية في جامعتي، وقُبلت وكنت الطالبة الوحيدة التي قبلت في هذا البرنامج، واتطلع إلى هذا البحث ونتائجه، وكنت اليوم أتقدم بطلب فيزا إلى المملكة المتحدة وسأستلمها خلال يومين، والجامعة الملكية في لندن هي من أهم الجامعات في العالم في مجال الهندسة وخصوصا في مجالي، ويشكل هذا البحث الذي سأقوم به في لندن، إضافة كبيرة إلى اختصاصي وسيرتي الذاتية وسأبقى حتى نهاية آب.

الناسا

لماذا هذا الحظر على المشاريع على بعض الدول؟

توجد استثنائية لبعض الدول وهي تخضع لنظام يسمى “نظم الاتجار الدولي في لوائح الأسلحة” (ايتار) The International Traffic in Arms Regulations (ITAR)، وهو يشمل عددا من الدول وللأسف لبنان من بينها، ومحظور عليها أن تشارك في الملفات السرية للأسلحة والفضاء في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا الموضوع يزعجني جدا، ولكني أحاول التعويض بالعمل على مشاريع تُتاح لي.

على ماذا تعملين حاليا؟ وما هي إنجازاتك في هذا المجال وبالقدر الذي تستطيعين أن تتكلمي به، كون هذا العلم، كما نعلم توجد فيه مجالات سرية عدة؟

 

صحيح، فهناك الكثير من المجالات السرية، ورغم الحظر، فأعمل حاليا بالعديد من المشاريع بالتعاون مع وكالة “ناسا”، ولكنها ضمن برنامج الجامعة، وحاليا أعمل على ثلاثة مشاريع، أولها MIT Kit Cube Satellite Project وأنا مسؤولة في هذا المشروع عن نظام الدفع النفاث Propulsion System، وسيطلق إلى القمر في العام 2018 “على منظومة الدفع الفضائي” SLS Space Launch System، والمشروع الثاني هو MOXIE أو Mars 2020 Rover وهو ابتكار آلة وطريقة تحول ثاني أوكسيد الكربون الموجود بشكل كبير على المريخ إلى أوكسجين، وبهذا يستطيع رواد الفضاء التنفس، وأنا الوحيدة التي تعمل في هذا المشروع من دفعتي، وهو مشروع بالتعاون مع وكالة “ناسا”، أما المشروع الثالث فهو بحث حول “دوران رواد الفضاء في الجاذبية المنخفضة” Astronauts Rotation in Microgravity، ويشرف عليّ في هذا البحث رائد الفضاء والبروفسور في معهد MIT جيفري هوفمان Jeffrey Hoffman، وسوف أنهي هذا البحث في العام القادم، أما سابقًا فقد عملت على مشروع بعنوان SPHERES، وهو عبارة عن 3 أقمار صناعية موجودة على “محطة الأقمار الصناعية الدولية” ISS International Satellite Station، في مجال البرمجة programming، حيث كنت أتواصل مع رواد الفضاء في الفضاء بشكل يومي، كما أساهم في تعليم الطلاب من المدارس والجامعات على البرمجة لهذه الأقمار الصناعية.

هل تشتمل الهندسة الفضائية البرمجة وأمور أخرى؟

 

علم هندسة الفضاء لا يقتصر على الصواريخ Rockets والدفع النفاث Propulsion، كما في مشروع MIT KitCube Satellite Project الذي سبق ذكره، بل يشتمل على الإتصالات، البرمجة، دوران الرواد في الفضاء وأمور عدة ضمن المنهج الدراسي كمشاريع، لكن لا يمكنني البحث بها.

هل يوجد لبنانيون غيرك، أو من دول أخرى؟

 

لا يوجد غيري من الجنسية اللبنانية، ويوجد ثلاثة طلاب من جنسيات أوروبية وبقية الطلاب من أميركا.

الناسا مايا

وماذا عن مسيرتك الأكاديمية؟

 

الحمدلله مسيرتي الأكاديمية جيدة للغاية، وقد حصلت منذ أسبوعين على منحة Yngve Raustein Award for Scholarship, Teamwork and Community في احتفال للطلاب المفروض تخرجهم Seniors night، ويتم اختيار طالب من السنوات الجامعية الأولى undergraduate والمتميز بمسيرة أكاديمية وبأفضل أداء في هندسة الفضاء best performance in aerospace engineering، وحصلت على هذه المنحة بتنويه ودعم من اساتذتي الذين رشحوني لها، فضلا عن العديد من المشاريع التي يمكنني القيام بها دون قيود بسبب جنسيتي، وهي مشاريع للجامعة بالتعاون مع “ناسا”، وعلى الرغم من أنني أخسر الكثير من المشاريع، ولكني أحاول الحصول على أكثر عدد منها.

ما الحل لتتمكني من الحصول على المشاريع دون مشاكل؟

 

من الصعوبة الحصول على الجنسية وأنا لا زلت طالبة، ولذا سأتابع إلى درجة الماجستير والدكتوراة، وربما الحصول على عمل، وعندها قد يمكن حل مشكلة الجنسية، إلا أنني لبنانية وأعتز بهذا الأمر رغم تحفظي على مسائل الطائفية والعنصرية في لبنان، وأنظر إلى الشخص بوجهه الإنساني فحسب.

ما هي أحلام مايا بعد الدرجات العلمية، من تتمنين مقابلته من الأشخاص المميزين في مجال الفضاء أو رواد الفضاء؟

في السنتين الماضيتين في MIT، سنحت لي الفرصة بمقابلة جميع رواد الفضاء، وأتواصل مع معظم رواد الفضاء على “محطة الفضاء الدولية” يوميا، وقابلت الكثير من رواد الفضاء القدماء والذين تجاوزت أعمار بعضهم الثمانين، أما حلمي فهو أن أقابل ستيفن هوكينغ، وهو بنظري أسطورة حية living legend، وأتمنى خلال تواجدي في الكلية الملكية في لندن أن أقابله.

كلمة أخيرة، أو رسالة للطلاب من مايا نصر؟

مايا ناسا

أهم ما لاحظته هنا في لبنان، أنني عندما أتكلم عن اختصاصي وأن له علاقة بالفضاء، تكون ردود الفعل متفاوتة، فالبعض يتعجب من اختياري لـ “هندسة الصواريخ” كوني قتاة، أما بالنسبة لي فهو حلم تحول حقيقة، وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات والمشاكل، واضطراري للسفر أحيانا لأحاول الحصول على كل الفرص والمشاريع والبرامج الهامة، لكن شغفي هو هذا العلم، ونصيحتي إن لم يتابع الشخص شغفه وما يحب عمله حقيقة، فسيمضي حياته وهو نادم، وحتى إن لم أتمكن من متابعة علوم الفضاء لجهة المركبات الفضائية والصواريخ وغيرها، فمجال هندسة الفضاء واسع، منها Astrophysics، ودراسة “السدم الفضائية” Nebulas، الثقوب السوداء وغيرها دون أن أنتمي إلى “ناسا”، وحتى إن حاولت في أوروبا، فعليك إثبات أنه لا يمكن أن يقوم أحد بعملك، كي يتم استخدامك، لذا فكوْني من الشرق الأوسط في برنامج الفضاء فهو ربما الوضع الأسوأ، ولكني أحاول بكل ما لدي، والأهم أن أساتذتي يدعمونني دعما كاملا، وهنا أود التنويه بهؤلاء العلماء المتميزين في مجال الهندسة الفضائية والعلم، ويتميزون بالتواضع ويعاملونا كأصدقاء، بل يحاولون تذليل الصعوبات خصوصا في حالتي، كي أتمكن من الإستفادة من كل الفرص والمنح، ويكفي أن حصولي على الجائزة الأخيرة كان بترشيحهم لي، وأتمنى أن تتغير الظروف إلى الأفضل وأتمكن أن أحصل على فرص أكثر، وقد تسنح لي الفرصة في العطلة بعد الفصل الشتوي Winter semester، بأن أقوم ببعض الأبحاث في إسبانيا، أو هولندا، وربما في الصيف أيضا في أماكن أخرى في أوروبا.

هل نحلم بأن تتمكني من أن تقومي بأبحاث في لبنان؟

 

علينا ربما أن نحصل على رئيس أولا، وأن نزيل النفايات من الطرقات، لأن ما يحدث في بلدي مؤلم للغاية، وربما، فلم لا، وأتمنى فكل شيء ممكن.

(Green Area)

السابق
هكذا يهاجم حزب الله المحكمة الخاصة بلبنان إلكترونيًا!
التالي
مقالات «جنوبية» ما بين الرئيس الحريري وحزب الله