دولنا تحترق وما زلنا نسأل: مسلم؟ مسيحي؟ سنيٌ؟ شيعيٌ؟ أم درزي!

نحن جيل الحرب ولدنا وترعرعنا على هديرالدبابات وازيز الرصاص ولعبنا في الأزقة والشوارع بنينا بيوتا من ورق وكتبنا احلامنا على حجر وشجر اطلقنا على بَعضنَا البعض بسلاح العابنا وسمّينا كل مجموعة باسم حزب أو ميليشيا.

ترعرعنا في الملاجىء واختبأنا من القذائف المدفعية والرصاص المتساقط فوق ملاعبنان وعلى ابنية المدينة هذه المدافع ونار الحرب تحولت إلى نار صديقة، اما ما تبقى منها فلا يزال يستكمل لعبة الموت المرير على الشعب السوري كل يوم والذريعة جاهزة انها الحرب على الارهاب.

هل كنّا ارهابيين عندما دافعنا عن أنفسنا ضد احتلال اسرائيل، وضد التنظيمات الفلسطينية وضد جيش النظام السوري؟ أم كنّا ندافع عن أنفسنا من شهوة الغُزاة الطامعين بأرضنا والمغتصبين لحقنا بالحرية والحياة؟

كبرنا وحررنا أرضنا من المحتلين، في الجنوب والوسط والشمال. دفعنا فاتورة دم غالية لكي نبقى على أرضنا. ترعرعنا ونحن نسأل هل تزوجت المسيحية من مسلم وهل جاري درزي لكي أتناول من طعامه ولكن لا أبيت عنده لأنّه غدار، أوَ ليس هكذا علمتنا الأمثال الشعبية.
لم نسأل يوماً عن الانسان. نحن طائفيون حاقدون نصوغ علاقاتنا مع الاخرين بحسب هويتهم الدينية وليس بمعيار الافعال والاخلاق.

إقرأ أيضًا: في نقد الحرب الأهلية.. على الدولة

لقد تمردت على بيئتي المسيحية سعيا لمعرفة الآخر واكتشافه. وكان ذلك في أيام دراستي في كلية الحقوق في جامعة الحكمة. هناك التقيت لأول مرة بدرزي ولأول مرة بسني وأول شيعي. من هناك كانت أوّل زيارة لي إلى منطقة الشوف فوقعت في غرام هذه المنطقة وأهلها الدروز.
شعرت انني منهم يشبهونني أكثر من طوني وريتا أصدقاء طفولتي واحبتي. أيقنت عندها أنّنا لسنا مختلفين بل يأسرنا حقدنا فقط. حقد سببه التزمت والانغلاق سببه وهم الخوف ووهم التميّز الذي يعلبنا بطوائفنا.

إقرأ أيضًا: الحرب

نحن مجتمع يشوّه التعدد والاختلاف فيحوله من غنى انساني إلى تخلف وتشرذم وأحقاد دفينة وموروثات اجتماعية بالية، معظمنا لا يعرف أسبابها أو حتى مصدرها لكنه ينحني لقيدها وسجونها. بعد رحلة طويلة لاكتشاف الاخر والذات اكتشفت أنّ ما يجمعنا كبشر أكثر بكثير ممّا يفرقنا.

تجمعنا الحياة لنعبرها بمحبة، وتسامح. لننفض عنّا غبار الماضي ولنتطلع الى المستقبل لأن الماضي يلسعنا ويكاد يحرقنا. ليس لنا سوى بَعضُنَا البعض نحن في مركب واحد اما ان ننجو معا او تلتهمنا مياه المحيطات. اما ان نبادر لنتعلم كيف نطفىء نار الحقد وكيف نضيء شمعة الامل

لقد احترق العراق او يكاد. احترقت سوريا او كادت… الله يستر لبنان.

السابق
طرابلس لحزب الله: انتهى زمن التنازلات
التالي
المشنوق لريفي: أبعد الشهداء عن الطاولة