هذا ما سيقوله نصرالله اليوم عن مقتل بدر الدين

تشكّل إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اليوم حدَثاً بالغ «الحساسية» بالنسبة الى مناصريه وخصومه على حدّ سواء، فهي الأولى بعد «الاغتيال الملتبس» للقائد التاريخي في الحزب الذي كان بمثابة «وزير الأمن» فيه مصطفى بدر الدين، ومخصّصة في مجملها لـ «رثاء» هذه الشخصية التي حيكت حولها الكثير من الروايات المثيرة، في صعودها كما في سقوطها، ولإعادة تثبيت الرواية «الرسمية» لـ «حزب الله» حول الجهة التي اصطادت بدر الدين وملابسات مقتله و«الحجج» التي دفعت الحزب الى اتهام «التكفيريين».

وتفوق إطلالة نصرالله اليوم في أهميتها إطلالاته المعهودة، وهي تخضع لمعاينةٍ دقيقة في ضوء مجموعة من الوقائع غير المسبوقة التي قفزت الى دائرة الضوء واستمرّت بالتفاعل على نطاقٍ واسع منذ لحظة «البيان المقتضب» الذي أصدره الحزب عن مقتله وصولاً الى اعتلاء أمينه العام الشاشة اليوم، مروراً بالـ 24 ساعة التي احتاجها الحزب للقول ان قَصْفاً تكفيرياً أودى بحياة رجله «الاسطوري» في أحد المباني في نطاق مطار دمشق الدولي. ومن هذه الوقائع:

* لم يكن جفّ حبر «الرواية الرسمية» لـ «حزب الله» التي اتهمت التكفيريين بقتل بدر الدين، حتى اشتعلت عاصفة من التشكيك، في ظاهرةٍ أقلّ ما يقال إنها غير مألوفة في مقاربة عمليات اغتيال او قتْل مماثلة طالت قادةً وكوادر من «حزب الله» أمثال عماد مغنية، حسان اللقيس، ابو علاء البوسنة، سمير القنطار، ابو محمد الاقليم، علي صالح، وغالب عوالي وسواهم.

* تَعاظُم الشكوك حيال ملابسات اغتيال الشخصية – الشبح في «حزب الله»، اي بدر الدين، بعد كمٍّ غير مسبوق من التقارير المتعددة المصدر عن جهاتٍ تقف خلف سقوط هذا الرجل – اللغز، راوحت بين اسرائيل، الولايات المتحدة، روسيا، المعارضة السورية، من دون ان يستثني بعضها ايحاءات عن وجود صراعات داخل المحور الواحد او البيت الواحد وضعتْ حداً لدور بدر الدين.

* عدم تبني اي جهة مسؤوليتها عن «الصيد الثمين» الذي أطاح بـ «رمزٍ تاريخي» لجماعة «حزب الله»، لا اسرائيل ولا التكفيريين او اي فصيلٍ سوري معارض، وسط «اجتهادات كثيرة» تَمَحْور بعضها حول احتمال ان يكون جرى التخلص منه كأبرز المتهَمين من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

* الأصداء «المتواضعة» لعملية اغتيال بدر الدين في البيئة الحاضنة لـ «حزب الله» وإعلامها، رغم «الهالة» الكبيرة التي كانت تُرسم له، وخصوصاً اذا ما قورن الأمر بـ«الهبّة» الشعبية والإعلامية والسياسية التي انفجرت يوم اغتيال مغنية الذي جعلتْه بيئة الحزب أشبه بـ «ايقونة المقاومة».

* مصادفة سقوط بدر الدين في لحظةٍ سوريّة بالغة التخبّط، في الميدان والديبلوماسية على حد سواء، ولا سيما بعد التباين الروسي – الايراني في التعاطي مع موجبات العملية الديبلوماسية، والتصدُّع الميداني الذي أظهر ثغراً في الإدارة الايرانية للوقائع على بعض الجبهات، وتَملْمل «حزب الله» من جراء ما بلغه الوضع وهو الذي يدفع أثماناً لا يستهان بها كـ «رأس حربةٍ» في سورية.

وسط هذا المناخ والتباساته، سيقول نصرالله اليوم كلمته في وجه حملات التشكيك، وللردّ على الدعاية التي تحاول الإيحاء بأن حزبه ليس في أحسن أحواله، والتصدي للبروباغندا التي طالت اغتيال بدر الدين… فماذا سيقول؟

مَن يفهم عقل «حزب الله» وسلوكه وكيفية تعاطيه مع أحداثٍ تخصه، يجزم بأن نصرالله، صاحب الكاريزما لدى جمهوره سيشيد بأعمال بدر الدين ودوره في القيادة الجهادية منذ العام 1982، كواحدٍ من أعمدة المقاومة في لحظاتها الأولى وعلى مدى مسيرتها، فهو كان رفيق الدرب لمغنية ولنصرالله نفسه، وصاحب إنجازاتٍ في جميع مواقع المسؤولية التي تولاها.

وعلمت «الراي» ان الأمين العام لـ «حزب الله» سيتولى عبر فنّ الخطابة الذي يتقنه دحْض «نظريات المؤامرة» التي تحدّثت تارةً عن مقتل بدر الدين بصاروخٍ اسرائيلي متطوّر وطورا عن عملٍ داخلي. وسيجزم تالياً بأن كل ما قيل في هذا السياق لا يمتّ للحقيقة.

والأهمّ الذي سيكشف عنه نصرالله هو ان بدر الدين قُتل بـ «صاروخ أعمى» في منطقةٍ في محيط مطار دمشق كانت تتعرّض دائماً للقصف، وان مَن أطلق الصاروخ ينتمي الى معسكر اسرائيل بغضّ النظر عن هويته التنظيمية، وتالياً فإن الأمين العام لـ «حزب الله» يستطيع القول ان قائداً بحجم بدر الدين قُتل بسبب صاروخٍ أطلقه المسلحون الذين يجهلون اين ذهب أصلاً، وانه لم يكن موجّهاً الى جهةٍ يراد عبرها استهداف إصابة معينة.

ومن غير المستبعد ان يذكّر نصرالله بما كان يجري إبان الحرب الأهلية في لبنان حين يتفق عنصران من ميليشيا على إطلاق صاروخ ضدّ الجهة المقابلة من دون تحديد اي هدف بعيْنه وعلى طريقة «يا رب تجي بعينو»، وخصوصاً ان ثمة أوجه شبه كثيرة الآن بين ما يجري في سورية وما كان يجري في لبنان.

إقرأ أيضًا: من اغتال بدر الدين ولماذا؟

وجرياً على عادته، سيتولى نصرالله تقديم إحاطة سياسية ولوجستية لتأكيد رواية «حزب الله» عن مقتل بدر الدين والردّ على «المخيلات الخصبة» التي ذهبت الى تأويلات عدة، لكنه لن يتطرّق بالتأكيد الى ما أثير حول مَن سيخلف بدر الدين في موقعه الجهادي.

وفُهم في هذا السياق ان التقارير التي تحدّثت عن أن شخصاً من ال مغنية سيُعيّن خلَفاً لبدر الدين هي مجرّد تكهّنات بعيدة عن الواقع، فما من شخص معيّن سيتولى المهمة التي كان يضطلع بها بدر الدين في «حزب الله» الذي يتمتع بديناميكية القيادة التي لا تعمل أبداً من خلال التوارث، بل عبر اختيار نصرالله للأشخاص، وليس لشخصٍ واحد لتولي الملف الأمني الذي ستتعدّد ملفاته وتُوزَّع المسؤوليات في إطاره على أكثر من شخص، كما آلت إليه الأمور بعد اغتيال مغنية في العام 2008، على ان يبقى للأمين العام للحزب، صاحب الصلاحيات المميّزة المستمَدّة من السيد علي خامنئي، اختيار معاونيه في المجلس الجهادي خلَفاً لبدر الدين، تماماً كما اختار معاونيه بعد اغتيال مغنية.
إقرأ أيضًا: السيد نصر الله: الجهاد المقدس بالبلدية.. تكليف شرعي!
ويترافق هذا التطور الناجم عن اغتيال بدر الدين مع قراراتٍ استراتيجية اتخذها «حزب الله» تتعلّق بالحدّ من مشاركته في الحرب السورية في مواقع مختلفة ما دامت العملية السياسية الروسية – الاميركية – السورية قائمة، مع الإشارة الى ان بدر الدين كان أحد الذين شاركوا في صناعة هذا القرار مع قيادة الحزب وبالتفاهم مع إيران بما يخص الجبهة السورية، وهو ما كانت انفردت «الراي» في الاضاءة عليه في تقرير عنوانه «حزب الله ينسحب من حلب الجنوبية ويعيد انتشاره في سورية» ونشرته في 18 الجاري.

بدر الدين كان متسلّطاً إلى حد التعامل من الندّ للندّ مع الإيرانيين
تؤكد مصادر على بيّنة من مجريات الأوضاع في سورية ان بدر الدين كان يتمتّع بذكاء حادّ وكان مخطِّطاً عسكرياً بارعاً تفوّق على أكثر القياديين العسكريين احترافاً في الساحة السورية، إلا أنه كان متسلّطاً ويعتقد أن له كينونة خاصة به، حتى وصل الى حدّ الندّ للندّ مع الداعم الايراني واختلف مع القادة الإيرانيين في مواقع عدة، وآخرها كان تل العيس حيث ظنّ ان باستطاعته لوحده استعادة المواقع التي استولت عليها «جبهة النصرة» ومن دون المشاركة الايرانية – الروسية، فنجح في أخذ المدينة وتل العيس إلا ان قراره كلّف سقوط 11 قتيلاً لـ «حزب الله» لأنه لم ينسّق الدعم الجوي والمدفعي مع القوات الحليفة.

(الراي)

السابق
«سرايا المقاومة» تنظيم يخوض الانتخابات أو اتهام؟
التالي
الجديد: جبران باسيل قراراته أممية