لماذا تكرّم جامعة المصطفى من حارب محمد حسين فضل الله؟

تكريم السيد مرتضى
في بعثٍ مستجّدٍ لفتنة طالت الشيعة اللبنانيين بشكل خاص تُحييّ جامعة المصطفى العالميّة، ومقرها قم الإيرانية، هذه الفتنة عبر تكريم السيد جعفر مرتضى العاملي الذي قاد حربا شعواء ضد المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله... فما هي خلفيات الحرب هذه؟

لعل الحرب المذهبيّة الأخيرة بين السنّة والشيعة لم تبدأ بُعيد اسقاط صدام حسين وسيطرة الشيعة على الحكم في العراق كما يُشاع. بل هي بدأت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي داخل الحوزات الشيعية في مثلث واسع جدا تشكلت أطرافه بين النجف في العراق وقم في إيران وبيروت في لبنان. لكن شرارتها ونقطة الإرتكاز الأساسية فيها كان على حارة حريك.

اقرأ أيضاً: زوجة المعتقل الشيخ كوراني: هذه هي مظلومية زوجي يا سيّد حسن…

فهذه المعركة الرئيسية انطلقت مع وفاة السيد أبي القاسم الخوئي في العام 1995 الذي كان يُعتبر من كبار مراجع الشيعة في العالم. والذي لم يتدخل في السياسة نظرا لوضعية العراق آنذاك على العكس من الإمام الخميني الذي حرّك منطقة الشرق الأوسط ولا يزال بسبب ثورته الدينية في إيران. ومن تداعيات ثورته تلك بروز ادوار كثيرة لرجال الدين بشكل فاقع، فتدخلوا في كل صغيرة وكبيرة في حياة الشيعة بعد ان كانوا بعيدين عن هذه الأجواء كليّا بل مهمشين.

وفي حمأة انتشار الدين ودخوله الحياة الشيعية ظهر وبرز السيد محمد حسين فضل الله الذي اعلن مرجعيته بعد وفاة المرجع الخوئي مما أثار خلفه الغبار الكثير رغم انه كان مُتهما بأنه المرشد الروحي لحزب الله، المغضوب عليه عربيّاً وأميركيّاً وأوروبيّاً.

هذه الثورة ضده لم تجد أية أداة لها في السياسة حيث كانت مواقفه، واستمرت حتى آخر يوم في حياته، داعمة للمقاومة في لبنان وفلسطين وكل أصقاع الأرض.

وكان يتميّز بإسلوبه السلس، السهل القريب الى الناس، وبالدعوة المستمرة الى إعمال العقل، والإبتعاد عن كل ما يفرّق بين الشيعة والسنّة. وهي الدعوة نفسها التي دعا وسعى اليها الشيخ محمد مهدي شمس الدين أيضا..

لكن الذين أرادوا مواجهته وجدوا تهمة تثير الشعبويين والمذهبيين والتقليديين، وهذه التهمة لعبت على الوتر الحسّاس وهي أهل البيت والسيدة الزهراء والصحابة، لكن وكما يبدو ان للهجوم خلفيّات صراعية اساسها السلطة الإقتصادية، كون المرجع لدى الشيعة يتمتع بسلطة “قوية”، تصل الى حد العصمة الا قليلا، فهو دولة قائمة بذاتها تملك وتحكم، ولا من يُحاسب لأن ثمة حديث يقول: “إذا أخطأ العالِم له أجر وإن اصاب فله أجران”، و”مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء”.. وغيرها من الأحاديث التي تمجّد العلم والعلماء.

بطاقة

وكان السيد محمد حسين فضل الله قد حاز إعجابا وتأييدا ومناصرة قلّ نظيرها لمرجع ديني في لبنان والمحيط لقربه من هموم الناس واستقباله لهم واستماعه لشكواهم ودعمه لقضاياهم خاصة المرأة والشباب، إضافة الى اهتمامه بالمؤسسات الإجتماعية المختلفة.. مما سحب البساط من تحت المراجع الاخرى الذين يتصفون غالبا بالإبتعاد عن الناس، وبلغة بعيدة عن أفهامهم. وتميز بتعابير لافتة ابرزها: “إنسانية الإنسان” و”الإنفتاح على الآخر”.

هذه الأساليب الإصلاحية في اللغة والخطاب لدى السيد محمد حسين فضل الله أثارت ضده التقليديين خاصة انه مسّ بأسس الخطاب الشيعي المعتمد على مظلوميّة آل البيت والذي يتفجر في عاشوراء أكثر ما يتفجر. هذه المظلوميّة لا تعني ان ننقلها من قاع التاريخ الى السطح لنتحارب بها مع السنّة حيث ضرورة الوحدة لمواجهة اسرائيل والاعداء. لكن الإخباريين والشيرازيين والتقليديين استعملوا لمواجهة السيد وخطابه العصريّ لغة الحوزة فجمعوا لوائح ممهورة بتواقيع أسماء كبار العلماء وبدأوا حربهم بإعلان السيد محمد حسين كرجل دين غير”مؤهل” للمرجعية.

السيد محمد حسين فضل الله

الحرب الشعواء هذه اتخذت أشكالا عديدة منها إعلاميّة، ومنها شعبيّة، ومنها ماليّة، ومنها دينية. وتولى السيد جعفر مرتضى قيادة الحملة ضد السيد فضل الله، فكان رأس الحربة، حول دار نشر يملكها الى قاعدة لإصدار الكتب لمواجهة الإصدارات الكثيفة التي كانت تصدرها دار الملاك كون السيد فضل الله كان غزير الإنتاج، وقد لجأ السيد محمد حسين الى اعتماد طريقة الشهيد مرتضى مطهري في تحويل المحاضرات الى كتب ومنشورات.

لم تتوقف الحرب الاعلامية رغم وفاة السيد محمد حسين فضل الله منذ ست سنوات، علما ان معظم ما يقوله السيد فضل الله عن الصحابة ردده أكثر من مرة الإمام الخميني والخامنئي، اضافة الى ان الخميني منع اعادة بعض الأجزاء من كتاب الشيعة التراثي “بحار الأنوار” والتي تسبّ الصحابة، واصدر الخامنئي فتوى تحريمية ضد من يسبّ زوجة النبي محمد عائشة، وكل من يسب صحابة النبي كأبي بكر وعمر وعثمان، لكن الشيعة السلفيين الذين حاربوا السيد فضل الله بحجة تسنين الشيعة لم ينبثوا ببنت شفة ضد الخميني والخامنئي، بل ظلت سهامهم موجهة الى السيد الراحل مع تهمة (تسننّه)، وتهمة (عدم الأعلميّة)، اضافة الى التهمة الأكبر(الضلال) وهي تهم ظالمة جدا.

واليوم تعمد إحدى الجامعات الإيرانية، والتي لها فرع في لبنان، الى تكريم من قاد الحملة الشعواء ضد السيد محمد حسين فضل الله مع كل ما يترتب عن هذا التكريم من إساءة الى رجل علم خدم الإسلام والتشيّع العقلاني بشكل خاص، وكان اول الداعمين للمقاومة التي حررت لبنان من الإحتلال.

اقرأ أيضاً: الشيخ ياسر عودة في مواجهة تعصّب دعاة شيعة !

فما هو سرّ هذا التكريم، خاصة انه تم اختياره في يوم ذكرى رحيل السيد فضل الله (الهجري). فعن أية وحدة إسلامية يتكلمون بعد الآن؟

 

السابق
أسرلة.. فلسطنة .. وأسلمة!
التالي
القارة الإسلامية تنفجر (2): حروب الـ30 عاماً في أوروبا والمشرق