ذات صباح ، لا يختلف عن غيره من صباحات بيروت ، المفتوحة على البحر وماوراءه والجبل وما خلفه مثل تائها المفتوحة ، التي وسعت مع مرور الأيام ، وعبورالأمم ، و الغزاة والفاتحين ، حتى اكسبتها ميزة استيعاب الاضداد ، وجعلتها مسكن التعدد ، وخيمة الحوار وملجا الاخر . الآخر الذي قدم ليسكنها فسكنته .
، ذات صباح ، كان انطوان قربان يحاول استعارة علامات الرفع والنصب والكسر ، ليضبط نصا شديد البلاغة والاصالة لصحابه . كآنه يحاول بذلك ان يخرج الفكرة من انكسارها ، ويرتقي بخيالاتها ، وتهويماتها ، الى حال الحقيقة.
استاذي وصديقي دكتور قربان ، ها هي الفكرة التي تداولناها ذات صباح باتت حقيقة ، بعد ان اودعناها في عهدة المعماري العتيق ، الذي بناها لبنة لبنه ، طيلة خمسة شهور ، ليضعها أمامنا مشروعا انسانيا ، لآجيال.. سلب منهم سلاطين هذا البلد ، اللغة وحروفها ، والفكرة وحقيقتها ، والحياة واملها ، والمعرفة بالآخر كجزء من تكويننا وثقافتنا المشتركة.
حول الدكتور انطوان مسرة فكرة الجائزة الى واقع ، ومآسسها ، وجعلها مسؤولية كل واحد منا ، الفكرة التي هي ما لهاني فحص في كل منا.
وكانت جامعة القديس يوسف محط رحالنا ، لانها منذ تاسيسها ساهمت في صنع مثال لبناني وعربي ، حريص على فكرة اقامة الدولة ، وحماية الحريات ، وتنوع الثقافات ، وفضح الفساد ، والزبائنية السياسية والدينية ، فكان لها من اسمها نصيب
من اسم يوسف ، الأب الأرضي حارس العفة ، الذي ائتمنه الأب السماوي على حماية الكلمة منذ البدء ، وجامعة القديس يوسف ، حارسة العفة الإنسانية في هذا الزمن الرديء ، التي اثبتت ان الثراء الحقيقي ، هو الانسان المتعلم ، المتنور ، المثقف . ولأنها كذلك ، حط السيد هاني فحص ، رجل الدين الشيعي النجفي ، رحاله فيها
هي الكوفة ، حيث بيت جده علي بن أبي طالب ، ومدرسته الاولى ، والجامعة التي تجلت فيها مواهبه ، في الشعر ، والادب ، والسياسة ، والدين كمنطلق الى الايمان بالاخر ،فيها ولد من اقتران الحروف ، لغة سمحاء ، فاستحق من خلالها لقب السماحة.
كان الكل ، حين تضيع الجماعة في تشتتها ، والمنفرد ، حين تتعصب لواحدها، والفرد الواحد ، اذا تحولت الجماعة إلى قطيع .
كان رفيق درب الحق ، يؤنس وحشة العابرين ، الذين خرجوا من ظلام العصبية والحزبية والقبلية ، الى مساحة الوطن المنفتح ، المؤمن بتعدد الهويات وتركيباتها ، هذا هاني فحص .
أكاديمية في رجل ، مؤسسة على اسمه ، بعد ان كانت رغبته في انشاء مشروع اكاديمية ، تربي الاجيال على الحوار والتعددية والسلام . وهذه الجائزة ، خطوة نحو تحويل ما تركه من ارث ، الى مشروع علمي واسهام في اعادة تعرفينا ببعضنا وبمشتركاتنا . عل الاجيال القادمة ، تستطيع أن تحمي بارثه ، مستقبلها المحاط بكثير من الإستبداد ، والارهاب والرفض والهجرة.