الإستنسابية في بناء مؤسسات الدولة: «أمن الدولة» أنموذجًا

منذ إتفاق الطائف حتى يومنا هذا لم تُقدم القوى السياسية في لبنان على أي خطوة حقيقية باتجاه بناء الدولة المدنية والخروج من الحسابات الطائفية.

إذا أردنا الفصل بين مرحلة ما قبل العام 2005 وما بعده (كما يحلو للبعض)، فنرى بأنَّ مرحلة ما بعد الخروج السوري لم تتغَير كثيرًا عن ما قبلها، حتى يمكننا القول بأنَّ بعض الملفات الأساسية في البلد كانت تُقَر بحكم القوة ولكنها تُقَر.

وبالرغم من وجود الكثير من علامات الإستفهام حول آلية إقرار بعض الملفات في تلك الحقبة المشؤومة، لا يمكن لأحد أن يُنكِر بأنَّ “البلد كان ماشي والشغل ماشي …”.

إقرأ أيضاً: مكاسب مصرية بالجملة من زيارة الملك سلمان…وتيران وصنافير سعوديتان

لم يكن البلد ماشي بالإتجاه الصحيح في تلك الحقبة، أو يمكن القول “كان البلد ماشي بالإتجاه الخطأ” ولكن إقناع البعض لأنفسهم فرض تلك المقولة على اللبنانيين. فلماذا التركيز على تلك الحقبة؟

يأتي التركيز على تلك الحقبة لأنها إمتداد لمشاكل اليوم، وتلك الطبقة السياسية التي قامت بتثبيت مختلف آليات الفساد دون إستكمال تطبيق إتفاق الطائف هي المسؤولة بشكلٍ كبير عن ما نحن فيه اليوم وبالأخص ملف “أمن الدولة”. الأمر لا يشكل إتهام لأحد في تلك الحقبة، فالجميع يتنصل منها ولكن هل يمكن لكم التنصل عن ما إقترفت إياديكم بعدها؟

 

اليوم ملف “أمن الدولة”، هو ملف مفصلي وحقيقي في فساد هذه الطبقة السياسية، فسادها الأخلاقي في الكيل بمكيالين في التوازن الطائفي، فسادها في ضرب الأمن القومي اللبناني من خلال ضربها للعيش المشترك عبر زعزعتها للميزان الطائفي اللبناني، فسادها المادي في تحرير أموال جهاز أمني أساسي ووضع بقاء الحكومة على المحك بالرغم من شغور الكرسي الرئاسي والإنقسام الداخلي حول مصير جلسات مجلس النواب، فسادها بعدم الإعتراف بطائفية الدولة وتنصل رئيس حكومتها ووزير داخليته من حق طائفة من إحدى طوائف الوطن بموقع مشروع لها طالما أننا لم نتحول اليوم إلى دولة مدنية ليس للحسابات الطائفية فيها وجود.

إقرأ أيضاً: حتى الآن …ما زال حزب الله قويّاً

هذا الفريق السياسي الذي يحاول ضرب الدولة من مختلف جوانبها منذ أكثر من ربع قرن حتى اليوم، يتوجه لزعزعة أمنها من خلال ضرب أحد أجهزتها الأمنية مدعيًا بأنه يملك مشروع بناء الدولة، ولكن في الوقت عينه تغيب عنه جميع أسس بناء الدولة العصرية الحقيقية، فيعتمد الإستنسابية دائمًا في بناء دولة لبنان المدنية من خلال ضربه للتعايش والتوازن الطائفي.

السابق
انفجار في عين الحلوة استهدف المسؤول في حركة فتح فتحي زيدان
التالي
بالفيديو: التحرش الجنسي بالمدارس في لبنان