حزب الله وأخواته …وخصومه

حزب الله
منذ إطلاق الرسالة الأولى (الرسالة المفتوحة 1985) الى هذه اللحظة، سبب حزب الله حالة من القلق للمراقبين الموضوعيين من خارج المذهب الشيعي ومن داخله. فهو قبل كل شيء ولد من رحم حركة امل في محاولة ايرانية لإيجاد مكان على رقعة الصراع اللبناني الداخلي والحصول على ورقة مهمة في الصراع اللبناني الداخلي والصراعات الاقليمية والدولية.

حاول الايرانيون جاهدين وعملوا بحنكة ساعدتها الوكالة الدولية الممنوحة للنظام السوري بإدارة الصراع اللبناني، في ظل “الغيبة” العربية التي لم يهمها يوماً غير الحفاظ على انظمتها بغض النظر عن الثمن المدفوع وطنياً ودولياً. انظمة لا تختلف كثيرا بالشكل وان اختلفت قليلاً بالمضمون عن النظام الإيراني او النظام السوري. استفاد الحزب “الالهي” من احتلال اسرائيل لأراضي لبنانية ومن سياساتها الصهيونية وقتاله لها وانسحاب الهزيمة الذي حصل في العام 2000. واستفاد أكثر من الوكالة الحصرية التي اعطيت له عبر تفاهمات إيرانية – سورية بلعب دور المقاوم الاوحد بعد ابعاد كل المقاومين الآخرين خلال تسعينيات القرن الماضي. وهكذا دخل الحزب القرن الواحد والعشرين بطلا مكللا بالغار من المحيط الى اندونيسيا مروراً بالخليج وكابول واسلام اباد بالإضافة الى طهران ودمشق طبعاً.

كأبناء للمجتمع الذي ولد فيه حزب الله، شاهدنا تدرج الحزب ببطء نحو خلق مجتمع داعم له، واستعمال كل الوسائل التي بررتها غايته، والتي لم تكن يوماً وطنية. عمل بصدق وتفان لخدمة مشروعه وهدفه الاساسي الذي هو خدمة المصالح الإيرانية من على الضفاف الشرقية للمتوسط.

كانت بداية العقد الماضي هي الاصعب علينا كأقلية وطنية شيعية لم تر في هذا الحزب غير المشروع الإيراني-السوري الذي لم تغشنا شعاراته ولم تبهرنا انتصاراته، كما لم يخفنا ترهيبه ولم يغرنا ترغيبه. تحملنا كثيرا، ومن الاصدقاء قبل الاعداء.
حوربنا بشكل مباشر وغير مباشر في مصالحنا وارزاقنا وعائلاتنا ووجودنا. حوربنا من قبل الحزب و”أصدقائه” في مجتمعاتنا ومناطقنا، ومن قبل النظام الامني اللبناني-السوري في وطننا. عشنا في غربة قسرية في الداخل وفي الخارج. غربة سببتها لنا قناعتنا بعداء الدولة الصهيونية وعدم الانجرار بمشاريعها واصدقائها من جهة، ومحاولة الحزب ومن معه بكسرنا لعدم الإيمان بمشروعه وتماهينا معه من جهة اخرى.

إقرأ أيضاً: تقارير دولية: هكذا يجني حزب الله ثروة من المخدرات وتبييض الاموال

في العام 2005 وبعد خروج جيش الوصاية السوري، عاد الامل الينا من جديد. شاركنا بشغف في ثورة الأرز التي كنا من اول المشاركين فيها، وحلمنا كما حلم معظم اللبنانيين بغد وطني أفضل. لم يكد الحلم يبدأ حتى تم ضربنا مجدداً بالحلف الرباعي، الذي تمسكن حزب الله وحركة امل من اجل الحصول اليه ليتمكنوا لاحقاً من رقابنا ورقبة 14 آذار لينهوها كما حصل.
وتمكن حزب الله من الاستمرار بقوة الى الآن، وذلك عبر عدة مناورات وحركات، انتخابية وسياسية وامنية وعسكرية، اعتمدت على ثبات مشروعه وهدفه الإيراني من جهة، وضعف وتضعضع المشروع الآخر واضعافه اقليمياً ودولياً من جهة اخرى.

قتلى حزب الله في سوريا
قتلى حزب الله في سوريا

ليس من مجال هنا للكلام عن رحلة متعبة من الدفاع باللحم الحي عن مشروع وطني سقط خلاله الكثيرين في فخ الطائفية والمذهبية والمصالح الشخصية التي يتحمل الاصدقاء فيها مسؤولية قد تكون أكبر من مسؤولية الاخصام. الا اننا نستطيع القول ان رؤيتنا السياسية والاساسية لهذا الحزب قد اثبتت صوابتيها لأكثر من ثلاث عقود من الزمن. رؤية اول من حاربها هم اليوم من الاكثر عداء لحزب الله واخواته على طول العالم العربي والإسلامي مروراً بما تبقى من ثورة الأرز.

إقرأ أيضاً: حزب الله يهدد موقع «جنوبية» أمنياً: هل بدأت سياسة الإلغاء الشامل؟
من تلك الساعة والى هذه اللحظة، يبقى حزب الله أفضل محام لأسواء قضية مسلحا بأصدقاء أوفياء ودعم مستقر وكبير، في مواجهة أسوأ محام لأنبل قضية مسلحاً بأصدقاء متذبذبين ودعم متقلب ومحدود.

ما بين العام 2005 والعام 2016 مشوار طويل من الانكسارات والهزائم لمجموعة متنوعة ننتمي اليها لم يتمكن من حسمها نهائيا سلاح وذكاء حزب الله، ولا ضعف وغباء الطرف الاخر.
مجموعة من البشر يؤمنون بوطن متعدد ديمقراطي غير طائفي يفرز من المصدر كل نفاياته الفكرية والمذهبية والوطنية.
وبانتظار هذا اليوم سنبقى كما كنا… نفكر ونقول ما نؤمن به.

السابق
فزاعة التوطين والاستعباد الجنسي
التالي
«مصير الأسد» في السجال الأمريكي – الروسي