التمهيد لطرد نصف مليون لبناني من الخليج للضغط على «حزب الله»

كان لبنان دائما ساحة رئيسة بالنسية الى المملكة العربية السعودية، اعلاميا وسياسيا، على مدى نصف قرن، ولكن يبدو ان قرارا سعوديا اتخذ على اعلى المستويات باسدال الستار كليا على تلك المرحلة، والانسحاب بشكل متسارع من العاصمة بيروت، في اعتراف غير معلن بالهزمية امام النفوذ الايراني، حسب ما ذكره مسؤول سياسي كبير لـ”راي اليوم”.

الازمة السعودية اللبنانية، او بالاحرى بين السعودية و”حزب الله”، جاءت كأحد نتائج ازمة اخرى اكبر، وهي الصراع السعودي الايراني على الساحة اللبنانية الذي بلغ ذروته مع بدء الازمة السورية، ودخول “حزب الله” اللبناني طرفا سياسيا في القتال الى جانب النظام السوري في مواجهة قوات المعارضة المسلحة المدعومة من قبل امريكا وعدة دول خليجية على رأسها المملكة وقطر، وجاءت الحرب اليمنية التي تفجرت في اخطر صورها، بتشكيل السعودية تحالفا عربيا من عشر دول بقيادتها واطلاق “عاصفة الحزم” تحت عنوان التصدي للنفوذ الايراني، لتنعكس توترا اكبر ومواجهات اعلامية شرسة في لبنان.

بعد قرار الحكومة السعودية قبل شهرين بتجميد منحة مالية بقيمة اربعة مليارات دولار، كانت مخصصة لتسليح الجيش وقوى الامن اللبنانية، استصدرت السعودية قرارات من مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية والخارجية العرب، بوضع “حزب الله” اللبناني على قائمة الارهاب، وبدأت في انهاء عقود كل من يثبت تعاطفه او تأييده لهذا الحزب على اراضيها، وفعلا شهدت الاشهر الثلاث الماضية حملات ترحيل لمواطنين لبنانيين من ابناء الطائفة الشيعية في السعودية والكويت والبحرين، ومن المتوقع ان تمتد الى الامارات وقطر.

قرار السلطات السعودية باغلاق مكاتب “العربية” في بيروت الذي يحتل دورا كاملا في عمارة وسط العاصمة، واقتحام مكتب صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية بعد يوم من صدوره، يعكس دخول الازمة السعودية مع “حزب الله”، ولبنان بشكل عام، الى مرحلة تنبيء بالعنف “الاعلامي”، كمقدمة لعنف “امني”، الامر الذي يخيف الكثير من المراقبين من تحول لبنان الى ساحة اغتيالات بصورة او بأخرى.

هناك تفسيرات عديدة لقرار اغلاق الحكومة السعودية لمكاتب قناة “العربية”، احداها، بل ابرزها، يقول ان المملكة السعودية بصدد الاقدام على خطوات تصعيدية في لبنان، مالية واقتصادية، مثل زيارة وتيرة ابعاد لبنانيين شيعة من اراضيها، وسحب ودائعها المالية من البنك المركزي اللبناني، الامر الذي قد يؤدي الى ردود فعل عنيفة ضد مصالحها في لبنان، ولهذا قررت اغلاق مكتب “العربية” والحدث” كخطوة استباقية، او كأجراء وقائي.

هناك تفسير آخر يقول ان قناتي “العربية” و”الحدث”، اصبحتا تابعتين بالكامل للشركة السعودية للابحاث والتسويق، التي يملك الغالبية العظمى من اسهمها الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، وشعر مقربون من ان القناتين باتتا مخترقتين من قبل بعض العناصر الاعلامية اللبنانية، وفي مكتب بيروت خاصة، وبرز هذا الاختراق في اوضح صوره من خلال بث شريط يحمل اسم “الشاطر حسن”، كان من المفترض ان يكون انتج لتشويه صورة الامين العام لحزب الله، لكنه جاء على عكس ذلك تماما بسبب موضوعيته، الامر الذي اغضب الامير بن سلمان، الرجل القوي في السعودية، وترجم غضبه هذا باصدار قرار باغلاق مكتب المحطتين في بيروت.

اقتحام مكتب صحيفة “الشرق الاوسط” التي تطبع في بيروت منذ سنوات، كان له علاقة مباشرة بهذا المناخ المحتقن، فالسبب المعلن لهذا الاقتحام الذي ادانته معظم الصحف اللبنانية ووصفته ادارة الصحيفة السعودية بأنه “همجي”، وهو نشرها رسما كاريكاتوريا لعلم لبناني مذيل بكلمة “كذبة نيسان”، اي ان لبنان غير موجود كدولة، هذا السبب كان عذرا، او غطاء، لاحد اوجه الحرب المتأججة بين السلطات السعودية، ومعارضي سياستها في لبنان واليمن وسورية، وخاصة انصار “حزب الله”.

ما يتخوف منه اللبنانيون ان تقدم دول الخليج وبتحريض من السعودية على طرد حوالي 550 الف لبناني يعملون فيها منذ عقود، او النسبة الاكبر منهم، في محاولة ضغط على لبنان، او تأليبه، للثورة على عدوها الاساسي، اي “حزب الله” وتقول الاحصاءات الرسمية ان 350 الفا من هؤلاء يقيمون من الممكلة العربية السعودية، 120 الفا في الامارات، و60 الفا في الكويت، و35 الفا في قطر، علاوة على 20 الف لبناني يحملون جنسيات خليجية، او دول دول اجنبية، وتقول هذه الاحصاءات ان عدد ابناء الطائفة الشيعية بين هؤلاء يبلغ عددهم حوالي 60 الفا، اما عدد المسيحيين فلا يزيد عن عشرة آلاف.

إقرأ أيضًا: حزب الله واستحالة تحوّله إلى «سلطة»

الورقة الاخرى التي يمكن ان تستخدمها السعودية ودول الخليج للانتقام من اللبنانيين بحجة سكوتهم على “حزب الله” ونفوذه، هي الودائع المالية في البنك المركزي اللبناني التي تزيد عن مليار دولار، وهي وديعة سعودية رسمية، الى جانب ودائع غير رسمية بحوالي 30 مليار دولار لافراد وشركات، وسحب الاستثمارات الخليجية التي تزيد عن 18 مليار دولار، وافادت مصادر عقارية وثيقة ان لبنان يشهد حاليا حالة بيع شرسة من قبل الخليجيين لممتلكاتهم، الامر الذي انعكس سلبا على قيمة قطاع العقار في لبنان.

إقرأ أيضًا: حزب الله: الإنصياع لروسيا أو الهزيمة الكاملة

من الصعب علينا التنبؤ بالخطوة الانتقامية السعودية المقبلة تجاه لبنان، مثلما يصعب علينا في الوقت نفسه تنبؤ طبيعة الردود التي يمكن ان تترتب عليها ايضا، لكن ما يمكن قوله ان خطوات واجراءات السلطات السعودية الانتقامية لن تتوقف عند اغلاق مكاتب قناة “العربية” او شقيقتها MBC في لبنان، كما ان ردود خصومها في لبنان لن تتوقف عند اقتحام مكتب صحيفة “الشرق الاوسط” في بيروت.

هناك مثل بريطاني يقول “عندما تتصارع الفيلة فان العشب هو الضحية الابرز لهذا الصراع″، وفي ظل الصراع السعودي الايراني المتصاعد من الطبيعي ان يكون لبنان الصغير ابرز ضحاياه.

(راي اليوم)

السابق
بالفيديو.. في لبنان علاقة الأم بالإبن «مشبوهة»
التالي
غادة عيد تغادر الجديد وتتغزل بالـ mtv وحليمة طبيعة تستقيل مع «لطشة»