السعودية في حالة هجوم: محاصرة حزب الله ودعم خصومه

السعودية اتخذت قرارا استراتيجيا تجاه لبنان، هو 'الانسحاب في سياق الهجوم'، ذلك أنه ثمة قناعة خليجية ترسخت أخيرا بأن لبنان أصبح تحت سيطرة إيران من خلال حزب الله.

تداعيات الإجراءات العقابية الخليجية، ولا سيما السعودية منها، لم تزل تشغل المشهد السياسي في لبنان، وتلقي بثقلها على المواقف السياسية اللبنانية، انطلاقا من الآثار السلبية التي جعلت الكثير من اللبنانيين يتساءلون عن أبعاد الموقف السعودي، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه في الإجراءات ضد الحكومة اللبنانية، ولبنان عموما.

فقد شكل إعلان وقف الهبة السعودية للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، صدمة للبنانيين، وأربك الحكومة التي فوجئت، فحاولت تصحيح الموقف بإصدار بيان يلتزم بالتضامن العربي… لكن من دون أن تنجح في ترجمة البيان بطلب تعديل موقف لبنان “الملتزم بالإجماع العربي” بعد الموقف الذي اعتبرته السعودية مسيئا، من العدوان على ممثلياتها الدبلوماسية في إيران. علما أن الموقف الرسمي اللبناني هو حصيلة توازنات لا يمكن تفاديها داخل الحكومة التي يشكل حزب الله أحد أبرز مكوناتها، وبالتالي لا يمكن أن يصدر موقف رسمي لا يوافق عليه هذا الحزب.

لم تكتف القيادة السعودية بوقف الهبة بل أرفقت ذلك، إثر البيان الرسمي، بمواقف من معظم الدول الخليجية تدعو رعايها إلى مغادرة لبنان، كما حذرت ومنعت رعاياها من زيارة لبنان. وقامت بخطوات متفاوتة لجهة تخفيض التمثيل الدبلوماسي لها في لبنان.

السؤال الذي يشغل اللبنانيين اليوم: ماذا بعد؟ وإلى أين ستذهب دول الخليج في التعامل مع لبنان؟ فهل يمكن أن تشهد العلاقات مزيدا من التراجع إلى حد البدء بإبعاد لبنانيين من هذه الدول؟ وقد تردد أن هناك نحو ألف لبناني مرشحون للإبعاد من المملكة، جرى عدم تجديد إقامات لتسعين منهم.

المطلعون على خلفية الموقف السعودي الأخير، من خبراء خليجيين، يؤكدون أن المملكة اتخذت قرارا استراتيجيا تجاه لبنان، هو “الانسحاب في سياق الهجوم”. ذلك أنه ثمة قناعة خليجية ترسخت أخيرا بأن لبنان أصبح تحت سيطرة إيران من خلال حزب الله. وهي “أخرجت لبنان من ثلاجة التوافقات التي جرت بين إيران وفرنسا والسعودية”. تلك التي مهدت لتشكيل الحكومة الحالية قبل أكثر من عامين، والتي أدت بنظرها إلى المزيد من مصادرة القرار اللبناني لصالح إيران. وخلاصة هذا القرار أن السعودية قالت “سأخرج من لبنان”.

وبحسب قريبين من مركز القرار في السعودية، فإن المعركة، لمواجهة التمدد الإيراني، لن تتوقف قبل تسليم إيران بنظام المصالح العربي. ولبنان في صلب الأهداف بعدما تحول إلى قاعدة انطلاق لحزب الله في سياق ضرب المصالح العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص. والمواجهة في سوريا ليست منفصلة عن لبنان، ولا هي منفصلة عن اليمن. فلبنان تحول إلى خلفية لإدارة الصراع في سوريا، والموقف الخليجي هو رد على استعداد إيران للسيطرة الكاملة على لبنان.

ثمة سياق داخلي لبناني أيضا، بنظر القريبين من صانعي القرار في السعودية، هو خطر تحالف القيادات المسيحية مع حزب الله. ذلك أن أحد أبرز أسباب الغضب السعودي هو صمت أو وقوف قيادات مسيحية إلى جانب الخيار الإيراني، أو دعمه من خلال الوقوف على الحياد.

“لقد بلغ السيل الزبى”، هذا ما يمكن تلمّسه من أوساط قريبة من القرار الخليجي حيال لبنان، لا سيما حيال التهديدات التي تنطلق من لبنان في مواجهة دول الخليج. ولبنان بنظرها أصبح بلدا مختطفا. وتعتبر أن القرار السعودي ليس هدفه معاقبة اللبنانيين، بل مطالبتهم وحثهم على فعل شيء في مواجهة الخطر الإيراني الذي يتهددهم، ويهدد العلاقة مع دول الخليج.

وفي هذا السياق يمكن تلمّس أهداف سعودية وخليجية تتمثل في وضع أصدقائها اللبنانيين أمام تحدي فك الارتباط بين القوى السيادية وحزب الله، لا سيما أن دول الخليج ذاهبة نحو خطوة تجريم حزب الله إقليميا ودوليا، بعد تجميعها سلسلة ملفات تظهر تورط الحزب في تهديد أمنها، وهي متمسكة بإدراج حزب الله كمنظمة إرهابية في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة.

اقرأ أيضًا: ماذا لو نفذت السعودية اجراءاتها العشرة ضدّ لبنان؟

وفي الرد على مقولة أن الخطوة السعودية تجاه لبنان هي خطوة انفعالية تستفيد منها إيران وحزب الله، تشدد أوساط خليجية على أن الموقف من لبنان يأتي في سياق خطة استراتيجية هدفها إعادة لبنان إلى الحاضنة العربية، وتشير إلى أن رفع الغطاء عن لبنان هدفه تعزيز الخيار اللبناني المستقل وحسم هويته العربية، والعمل على تنشيط نظام مصالحه العربي في سياق المواجهة مع النفوذ الإيراني.

كل هذا إزاء سعي رسمي لبناني خجول لاحتواء الأزمة من قبل الحكومة اللبنانية، الذي كشفه تصعيد الإجراءات الخليجية غداة إصدار الحكومة اللبنانية بيانها، بعدما قدّر العاملون على إصداره أنه يمكن أن يجمد الخطوات العقابية إن لم يوقفها.

هكذا تبدو سيناريوهات الأزمة ذاهبة في ثلاثة اتجاهات:

أولا، مسار التأزم: وهو يتوقع قيام حزب الله بعملية أمنية سياسية تؤدي إلى تغيير في هرم السلطة، رئيس جمهورية جديد وحكومة جديدة بشروطه.

ثانيا، سيناريو الجمود: بقاء الأزمة في حدودها الراهنة وعدم تصعيد الموقف الخليجي بفرض المزيد من الإجراءات العقابية، وبقاء الوضع على ما هو عليه في هرم السلطة، مع استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان بانتظار تغييرات يمكن أن تشهدها المنطقة ولا سيما سوريا.

ثالثا، سيناريو التغيير: نجاح الضغوط الخليجية في فرض معادلة التوازن وتحييد لبنان، مع اقتناع حزب الله بأن معركته في سوريا والمنطقة بلا جدوى.

هذه السيناريوهات تترافق مع سلسلة تغييرات في السياسة الخليجية تجاه لبنان والمنطقة عموما، تشير إليها أوساط قريبة من مركز القرار السعودي والخليجي. وهي تتلخص في السعي إلى المزيد من محاصرة حزب الله إقليميا ودوليا، تزامنا مع الوقوف دون نجاح الاستراتيجية الإيرانية الروسية في سوريا، وإعادة تقييم خطة دعم القوى المحلية اللبنانية المناوئة لحزب الله وللنفوذ الإيراني من مختلف القوى والتيارات.

(العرب)

السابق
ماذا عمّم «حزب الله» على مناصريه بعد مسيرات الشغب
التالي
الحريري: لن نسكت عن محاولات زرع الفتنة في بيروت