السيّد محمد حسن الأمين يتحدّث حول صراع الولاءات في لبنان

يتحدث العلامة والمفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين حول ظاهرة الولاء للدول الإقليمية في لبنان، في هذه اللحظة من تاريخه وتاريخ المنطقة في ظل تفجّر الصراع السعودي الايراني، وما نشأعنه من استنفار طائفي في بلادنا.

يؤكد السيد الأمين في هذا المجال أن “ثمة حقيقة يكاد يتفق عليها مؤرخو الوضع السياسي في لبنان هو أن لبنان لم يكن في يوم من الأيام دولة وشعباً مستقلين استقلالاً كاملاً او شبه كامل، وكان لبنان وفق المتغيرات الدولية والإقليمية، تغيّر مكوناته اصطفافاتها وعلاقاتها بعضها مع البعض الآخر، وكانت ظاهرة الولاء للدول الإقليمية، الدولية سمة من سمات الاجتماع السياسي في لبنان. وكان لبنان يعكس بصورة دائمة طبيعة الأوضاع العربية والإقليمية، إن هدوءاً واستقراراً، او صراعاً وتفجيراً، وكانت الحرب اللبنانية الأخيرة أبرز مظهر من مظاهر هذا التوصيف الذي ذكرناه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لبنان وليس غيره من الدول المحيطة أو غير المحيطة به؟!

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الامين في ذكرى الثورة في ايران (1): يتذكّر الامام الخميني

يجيب السيّد الأمين: “إن لبنان في تشكله الجغرافي والديموغرافي والذي اقتضى وجود أشكال من التعدّد والتنوع الديني بين مواطنيه جعل من كل مكون دائرة شبه مستقلة في علاقتها مع الدوائر التي تشترك معها في المواطنة اللبنانية، ولما دخلت تلك المكونات في تنافس حاد حول النفوذ بلغ في كثير من الأحيان حدّ الصراع، فإنه كان لا بد من الاستقواء والاستقواء المقابل بالدول الإقليمية والدولية من قبل هذه الطوائف المختلفة. وأنا أزعم أن لبنان بمكوناته التي ذكرناها لم يكن لديه محاولة جادة في الاتفاق على صيغة وطنية تنمو وتترسخ على النحو الذي يجعل من لبنان دولة عصرية، ومن صيغة العيش المشترك الذي يطلق على التحالف الهش بين طوائفه ومكوّناته دولة مواطنة بالمعنى الجديد لمفهوم الشعب الواحد في الدولة الواحدة، لذلك كانت المعالجات السياسية التي تتعامل مع أزماته وحروبه الداخلية ليست أكثر من معالجات مؤقتة وسطحية سرعان ما تضعف وتتراجع ثم تنهار لتبدأ أزمة أخرى جديدة”.

ولكن السيّد الأمين يلحظ أمرا إيجابيا في هذه الجولة من الصراعات الاقليمية فيقول: “ما يلفت أن هذه المرحلة من الصراعات العربية المتكررة، لم تلجأ إلى اختيار ساحة بعيدة عن دولها لتكون موضوعاً لصراعاتها كما كان يحصل في السابق فيكون لبنان هو الساحة التي يختارونها كميدان للصراع وتصفية الحسابات، هذه المرة الصراعات مباشرة بين دول المنطقة وحتى في التدخل الخارجي المباشر، وهو ما يجعل المسؤولية الوطنية التي تتحملها الطبقة السياسية اللبنانية موضوع إدانة شديدة وجادّة، إذ أن وجود لبنان خارج هذه الصراعات الميدانية سواء في سوريا أو في اليمن أو في العراق، يشكل فرصة للبنانيين لإقامة بنية سياسية مستقلة، وبمعزل نسبياً عن الضغوط الخارجية، كأن على سبيل المثال ينتخب اللبنانيون رئيساً للجمهورية بقرار لبنان وأن يعاد بناء المؤسسات السياسية بصورة تنسجم مع تطلعات اللبنانيين لقيام الدولة التي باتوا نسبة يائسين من قيامها، وبات الشعور بالخطر من انهيار آخر الأعمدة والأسس لاجتماعهم السياسي والاقتصادي داهماً، يتم التعبير عنه بصور واضحة بل فاضحة، وما تبقى من القيادات السياسية يقفون عاجزين متخلين عن مسؤولياتهم، متمسكين كما كان دأبهم في السابق بمصالحهم الخاصة، ولكن هذه المرة يظهر هذا التمسك بأكثر صوره بؤسا،ً دلالة على الفراغ الكامل في الطبقة السياسية نيجة عدم الشعور بأيّ مسؤولية وطنية”.

وبتوصيف الوضع الحالي يرى السيّد الأمين أن “اللبنانيين هم الذين يُدخلون الصراعات الإقليمية إلى بلدهم، وعلى سبيل المثال الواضح الذي يراه الجميع، فإن فريقاً من اللبنانيين يرتبط بصورة كاملة في الفريق السعودي، وفريق آخر يرتبط ارتباطاً كاملاً بالفريق الإيراني، ومن المعلوم أن ثمة نزاعاً وصراعاً بين دولتي إيران والسعودية، ولكنه حربياً وبالوكالة على أراضي السورية واليمنية، يهدف إلى تعزيز المواقع في منطقة الخليج والمنطقة العربية بصورة عامة.

وعن السياسية السعودية المستجدة حول لبنان المتصفة بالتصعيد يلاحظ السيّد الأمين: “أنه ليس من الصدفة أن يظهر هذا التغيّر بين مرحلة الملك الراحل عبد الله، ومرحلة الملك سلمان الذي تسلم مقاليد الحكم العام الفائت، والذي يرى فيها كثير من المهتمين والخبراء أن هناك منهجاً مختلفاً متّبعا في مسألة السياسة الخارجية للمملكة، ولربما كان لبنان هو أحد الموضوعات الأساسية في هذه السياسة الخارجية التي يعاد النظر فيها، فلبنان ضمن دائرة المتغيرات حسبما يبدو بالنسبة للسياسة السعودية الجديدة، وهذا لا يمنع من القول أن السياسة الراهنة الخارجية للبنان، لم تكن على القدر المطلوب منها في التعامل مع الاشكلات الحاصلة بين إيران والسعودية، وهذا في تقديري عائد إلى ما ذكرناه آنفاً بأن لبنان يكاد يكون في هذه المرحلة بلا دولة، وتاليا بلا سياسة خارجية”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين في ذكرى الثورة الايرانية(2): إيران بين الدولة والثورة

ويختم السيّد الأمين “كلبناني، أعتز في بلدي وبإمكاناته الكبيرة رغم مساحته الصغيرة فإني أعتقد أن لبنان لوكان دولة، وكياناً سياسياً متماسكاً لكان بإمكانه أن يلعب دوراً فاعلاً وإيجابياً في التخفيف على الأقل من حجم هذه الصراعات الإقليمية، ومن جعل ساحته مكاناً للتفاوض والحوار بين أخوته العرب بمن فيهم جيران العرب كتركيا وإيران مثلاً. ولكن هذا الطموح مع الأسف نراه بعيد المنال على الأقل في المدى المنظور أو المستقبل القريب”.

 

السابق
رفسنجاني وروحاني يتقدمان الفائزين في مجلس الخبراء
التالي
هل ينقلب الحريري على ذاته ويجدّد ثورة الأرز؟