رسالة إلى سيئة الذكر «شارلي إيبدو»

كيف استطعتِ أن تذكري على أوراقكِ القذرة أكثر من ورق وقع في مياه صرف صحي، أيقونة ملائكية "النجم الذي هوى"، قبل أن تمضمضي أوراقها البخسة ثلاثا أو أكثر؟

هل تعرفين الوضوء، نحن لا نتكلم عن أرواحِ موتانا الهاربين من جحيم الحروب، الأنظمة والجهل قبل الوضوء والاستغفار، نحن نتحدث عنهم ونرمي على أسمائهم السكر وماء الورد، نغلف ذكراهم بأوراق الزهر الجافة ونسقيها بماءٍ نقي، نحن نستأذن قبل ذكر أسمائهم، فقد دخلوا في صلاةٍ طويلة بين يدي الله، كيف استطعتِ أن تدخلي في صلاتهم دون إقامة ولا آذان، ولا بينهما.

يعيشون بيننا، على جدران الشوارع، وفي أحاديثنا العابرة، وقبل النوم، وبعد الموت.

إن تجوز لكِ التوبة فتوبي!

إقرأ أيضاً: «شارلي ايبدو»: لو عاش «ايلان»…لتحسس مؤخرات النساء في ألمانيا!

ماذا ليكون النجم الذي هوى، لو لم يهو؟

كان ليكون بدرًا طيلة أشهر السنة، بل طيلة تواجد الكوكب، كان ليضيء لكل اللاجئين في المخيمات لياليهم، مصباحا لكل النازحين، صحن شمسٍ ليعبروا في سلامٍ، كانوا ليدخلوا في بطنِ الحوت آمنين، يفتح لهم الطريق قائلا: “أدخلوها آمنين”، كان ليكون زهرة تتفتح مضيئة، نجمة وسط وردة، ووردة وسط الرمل، تسقى من البحر، إذا كان النجم هاوٍ تاركا بضيائه ذلك الشاطئ بينه وبين السماء جنة، حاملا معه كل اللعنات التي كانت لتسقط، ذلك المكان المبارك، تنصب فوقه الخيمات، وتأتيه الزيارات.

هل تعرفين ماذا كان سيصبح إيلان؟

كان سيصبحُ صوت حقٍ يسكتُ جميع الأفكار، يسقط جميع الأيادي، يكفُ أذى جميع وحوش هذا العالم، الوحوش أنفسهم الذين يلبسون البدلات، والكرافاتات، ويجلسون على المكاتب، ويطلقون سمومهم في المؤتمرات والاجتماعات، تصافحهم الأيادي نفسها التي قتلت، شردت وهجرت، ونفسها التي ستقتلهم، تشردهم، فتبت جميعُ أياديهم.

إقرأ أيضاً: شارلي ايبدو تخسر التعاطف معها

هل تعلمين ماذا كان سيصبحُ إيلان؟

عبّارات الموت
عبّارات الموت

كان سيصبحُ أغنية للسلام، صوتًا يلاحق أنظمة العار، أو نجارا ليصنع قاربا يمكنه من ركوب البحر آمنا، ليعد قوارب نجاةٍ كثيرة، بعدد ما غرقت آمالٌ، وتشردت أحلام، وهُجرت طموح، واغتيلت أفكارٌ، وغرقت لفات رضعٍ، واستشهدت أوطان، وثكلت أراض، واستبيحت بيوتٌ، ودفنت حيوات، كان سيصبح حدادا ليهذب منشار الإنسانية لأنه طال كثيرا آخذا في طريقه نصفَ العرب، كان سيصبح معلما بسيطًا ليعلم الأطفال: ما هو الوطن والحب وليخبرهم في أي بئر وقع الأمان؟، ليخبرهم أن ديننا الإنسانية في كل عقيدة، كان سيكون فلاحا، أو مزارعا، مربي دجاج أو ماعز، كناسًا، أو صاحب دكانة، بائعا متجولا أو بائع زهورٍ، كان سيصبح خياطا ليرتق ثوب هذا العالم الذي أصبح مليئا بثقوب البارود، والصواريخ، أو كان صاحب مغسل ليغسل بقع الدم المستعصية، كذلك بقع الحقد، والكراهية، أو كاتبا لا يفكر في النجومية، يكتب عن حبِ الإنسان لأخيه الإنسان، كان ليتألم لغريق قاربٍ هارب عبر البحر، وكان ليلوم موجة رمت طفلا اسمه “إيلان” على الشاطئ، ثم يكتب عنه قصيدة لا تموت، كان ليكون وزيرا ذكيا، حاكما عدلا، لا تظلم عنده نملة، ولا تشرد حبة قمح، كان ليقول أن الدين جاء ليمنح للإنسان فرصة العيش سعيدا وهادئا، لا فرصة للتناحر باسمه، كان ليكون فنانا أو حتى إسكافيا، كان ليكون فقيرا جدا أو حتى كسولا ربما ولا ينجح في السنة الأولى للمدرسة، فلن يكن طبيبا، ولا مهندسا ولا محاميا، لا مترجما ولا ممثلا، لا مصورا ولا محررا، لكنه بالتأكيد السحيق لن يكون كاريكاتوريا غبيا يسخر من روح نجمة هوت، فوقعت في البحر وأضاءت ما بينه وبين السماء.

*”النجم الذي هوى” العبارة التي أطلقها الصحفي والكاتب الجزائري “ضيف حمزة ضيف” على إيلان في مقال سابق.

السابق
لماذا انهارت نانسي عجرم في برنامج «ذا فويس»؟!
التالي
هل واشنطن متمسكة بفرنجية الذي اقترحه سفيرها؟