أوباما مُلزم بتنفيذ القانون.. وعقوبات الكونغرس لتطويق إيران عبر «الحلقة الأضعف»؟

رلى موفق

يُدرك الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، بُعيد اغتيال القيادي العسكري في الحزب سمير القنطار، أن إطلاقه تحذيراً من الانصياع للإرادة الأميركية، في ما خص إقرار الكونغرس، بمجلسيه، قانوناً يفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع «حزب الله»، ومطالبته الحكومة والدولة حماية المواطنين وتجّارها وشركاتها، لا يمكن ترجمته عملياً بالتلويح بـ«7 أيار مالي – اقتصادي» استناداً إلى قدرة الحزب العسكرية أو «فائض القوة» الذي يتمتع به في تعاطيه مع الملفات الداخلية، إذ أن ممارسة أي ضغوط من هذا القبيل يعني ضرب القطاع المصرفي وانهيار الاقتصاد اللبناني بكليته، وهو ما ليس بمقدوره تحمُّل تبعاته وانعكاساته على مختلف المستويات. إشارته الواضحة إلى أن ليس للحزب حسابات في البنوك اللبنانية ولا ودائع في المصارف العالمية، الأمر الذي لا يستدعي هلعاً لدى البنك المركزي ومديري المصارف، شكّلت إقراراً وإداركاً بأن الجهاز المصرفي اللبناني لا خيارات واسعة أمامه سوى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنيبه أي مساءلة قانونية أو تعريضه للعقوبات، خصوصاً أن الضربة التي تلقاها «البنك اللبناني الكندي» وقضت عليه، لا تزال ماثلة في الأذهان.
وليس تحذير نصر الله سوى انعكاس لحجم المأزق الذي يعانيه حزبه مع بيئته الحاضنة، من رجال أعمال وتجار ومؤسسات يستظلها للعمل من خلالها أو متعاطفة معه ومؤيدة له، ولا سيما أن الإجراءات السابقة التي اتخذت في حق أشخاص ومؤسسات قريبة من الحزب أو تعاملت معه تجارياً، شكّلت عامل ضغط وتململ وقلق وحذر في صفوف كثيرين يخشون نفس المصير، في ظل اقتناعهم بأن الحزب ليس بإمكانه أن يُقدّم لهم الحماية إذا أضحوا على اللوائح السوداء ومُكـبَـلي الأيدي.
القانون الصادر عن الكونغرس، والذي يندرج في إطار القوانين الأميركية العابرة للحدود الهادفة إلى مكافحة تبييض الأموال وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، يُحدّد أطراً زمنية للإدارة لتقديم تقارير للكونغرس تُسلّط الضوء على الشبكات العالمية لـ «حزب الله»، خصوصاً في جنوب الصحراء الأفريقية وآسيا، وتحصي الدول التي تدعم «حزب الله»، أو التي يحتفظ الحزب فيها بقاعدة لوجستية مهمة، وتُعلِمه بالبنوك المركزية التي يُحتمل أن تكون لها صلة بتعاملات الحزب المالية.

اقرأ أيضًا: هل يحق لنصرالله ان يطلب من القطاع المصرفي مؤازرة حزب الله ضد العقوبات؟
ويُفرض على الرئيس الأميركي إدراج قواعد لمعاقبة المؤسسات المالية التي تقوم بمعاملات مع «حزب الله» أو تبييض أموال لفائدته، وتقديم - بعد 120 يوماً أي عند حلول نيسان - تقارير تُوصِّف أنشطة «حزب الله» في مجال تهريب المخدرات وأنشطة إجرامية محتملة عبر الحدود مثل الإتجار بالبشر»، وهو قانون كان بإمكان الرئيس الأميركي ألا يوقعه لكنه فعل، ما يعني أن أوباما بات مُلزماً بالتقيّد بما يحدده القانون، الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من محاصرة أنشطة «حزب الله» الخارجية وتفكيك شبكاته المالية.
وعلى الرغم من الإجراءات الوقائية التي ستتخذها المصارف، ومحاولة البنك المركزي التقيّد بمضامين القرارات الأميركية، إلا أن ثمة مخاوف عبّرت عنها أوساط سياسية مطلعة عن احتمال أن يتعرّض لبنان إلى مزيد من الضغوط مع معلومات بدأت تتسرّب عن إمكان إدراج أحد أعضاء هيئة رقابية معنية بمكافحة عمليات تبييض الأموال على اللائحة السوداء، وهو ما يُحرج لبنان الرسمي، ذلك أن الإجراء لا يطال منظمة أو شركة أو رجل أعمال بمقدار ما يطال اسماً في هيئة رسمية من المفترض أنه يقوم بعمله وفق المعايير الدولية المتبعة لمكافحة تبييض الأموال. هذا في وقت يرى مراقبون أن ثغرة أساسية لا يزال يَـنـفُـد منها «حزب الله» في عملية تبييض الأموال، تتمثل بالقطاع العقاري، حيث لا يستبعد هؤلاء أن تشهد المرحلة المقبلة مطالبات صارمة لإخضاعه إلى المزيد من التدقيق لضبطه وإقفال تلك الثغرة.
على أن إقرار الكونغرس للقانون يحمل في طياته أبعاداً أخرى تُـترجم فصولاً من الصراع الدائر بين الجمهوريين والديموقراطيين حول توقيع باراك أوباما الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته. وليس «حزب الله» سوى الحلقة الأضعف في هذا الصراع الذي يستهدف فيه الجمهوريون أذرع إيران كـ «خطوات ممكنة» في الوقت الفاصل عن انتهاء ولاية الرئيس الحالي الذي يُشكّل صمّام الأمان في حماية الاتفاق مع إيران ومصالحها. من هنا يذهب الكونعرس إلى اتخاذ خطوات عبر إقرار قوانين يُطوّق فيها إيران من خلال استهداف أذرعها، مدركاً أن أوباما لن يستخدم حق «الفيتو» ويتحدّى السلطة التشريعية في معارك قد تُضعفه وتُضعف حزبه، حيث أغلبية الشعب الأميركي تؤيّد الكونغرس في المسائل المتعلقة بالإرهاب الدولي، ويعتبر أن «حزب الله» جزء منها وهو المصنف أميركياً كمنظمة إرهابية. هكذا يقرأ بعض المنظّرين الجمهوريين، في واشنطن، قرارات الكونغرس الذي يهيمن عليه الحزب الجمهوري.

اقرأ أيضًا: أميركا تحاصر حزب الله ماليا… فهل سيرتدّ حصارا للبنان؟
وفي هذا السياق، يذهب المهندس طوم حرب، أحد أركان التحالف الأميركي - الشرق أوسطي للديموقراطية، وهو تحالف منظمات ليبرالية أميركية غالبية أعضائها من جذور شرق أوسطية، إلى الاعتقاد بأن هذا القانون، وما يمكن أن يليه من قوانين وإجراءات، قد لا توتي ثمارها كاملة ما دامت طهران أفلتت من الحصار، إلا أنها تمهّد الأرضية لخطوات أكبر وأشمل للإدارة المقبلة، إذا وصل الجمهوريون إلى «البيت الأبيض». فالمرشحون الجمهوريون يخوضون معاركهم الانتخابية في الجزء المتعلق بالسياسة الخارجية على أسس واضحة، قوامها مناهضة الاتفاق النووي مع إيران بالصيغة التي رسى عليها، والذي يُشكّل خطراً حقيقياً على المصالح الأميركية وعلى علاقاتها مع حلفائها في المنطقة. وهم تعهدوا في حال فوز الجمهوريين العمل على إلغاء الاتفاق أو على الأقل العمل على تعديله بما يحقق التوازن المفقود الذي أحدثه الاتفاق. وليس أمراً تفصيلياً أن نصائح عدة وُجّهت إلى كبرى الشركات الأميركية بعدم المجازفة بالتفكير في الاستثمار في إيران قبل أن تنجلي الصورة على ضوء ما ستحمله الانتخابات الأميركية وهوية مَن سيكون «سيّد البيت الأبيض».
عادة ما تكون وظيفة المجهَر تظهير الصورة بشكل أوضح لرؤية أشمل، حيث لا تغيب التفاصيل. ولعل ما يكشفه الإجراء الأميركي من جزئية تستحق النقاش: إذا كان «حزب الله» هو الحلقة الأضعف في الصراع بين الأميركيين حول إيران، فماذا عن الأذرع الإيرانية الأخرى من الميليشيات في العراق واليمن وغيرهما، وأي مستقبل ينتظر كل هؤلاء؟!

(اللواء)

السابق
نور الشريف وعمر الشريف وفاتن حمامة ورفاقهم….أخذهم منا عام 2015‏
التالي
«اعلان السلام» المشترك من المجمع الثقافي الجعفري وحلقة التنمية والحوار