داعش ذروة الاسلام السياسي… ونهاياته

تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام او داعش، هو خلاصة الايديولوجيا الاسلامية التي روجت وعملت في طول العالم العربي والاسلامي على مواجهة التحديات الحضارية لحكومات هذه الدول وشعوبها بمقولة الاسلام هو الحل، موحية للشعوب بأن لدى الاسلام حلولا سحرية للتنمية وللتطور ولرفاه الشعوب، سوف تتحقق مجرد ان نتبنى تلك الشعارات التي تتوسل الدين من دون ان تندوي على اي مضمون خاضع للتجربة وللتطور ويتيح المجال للاستزادة من الخبرات الانسانية في مجال الحكم والادارة وبناء السلطة وتداولها.

ثمة انحسار للخطاب الايديولوجي واندثار لمشروع الاسلام السياسي الجامع في حده الادنى، بعدما اظهرت هذه العناوين وتطبيقاتها انها فقدت بريقها وجاذبيتها وفشلت في تقديم نموذجا للحكم او للسلطة يعتدّ بها. وكشفت أنها اسوأ بكثير مما حملته التجربة القومية العربية التي قامت على انقاضها رافعة شعار “الاسلام هو الحل”. شعار كشف كم ان شهية السلطة لدى الاسلاميين هي تجيير الدين كوسيلة في سبيل غاية السلطة.

إقرأ أإيضاً: «داعش في أوج قوته»… ولكنها بداية النهاية

كما كشف انحسار هذا الخطاب فشل الاسلاميين في تحقيق مشروعهم بمقاربة القضية الفلسطينية. لقد خلص المشروع الاسلامي الى مشروعات تتقاسمها ايران وتركيا لتدرج في سياق مصالح هاتين الدولتين بالدرجة الاولى وفي صراع النفوذ على المنطقة العربية الذي صارت روسيا اليوم احد ابرز العناصر الجديدة الفاعلة. وبات اطراف الاسلام السياسي هذا ينقسمون في محاور متقابلة وكل يدعي قربا بليلى.

ليس هذا فحسب، فالتجرّؤ على القتل باسم الدين وفي سبيله طوى نهائيا حرمة دم المسلم. فهذه الجماعات غرقت في الدماء ولم يعدّ يهز مبادئها قتل المسلم. ونتحدث عن المسلم لأن في ادبيات هذه الجماعات، وما نشأ عليه محازبوها، التناقض مع اسرائيل هو تناقض ديني. لذا كانت هذه الجماعات، ومنذ نشوئها، تشكك بالمنطلقات غير الدينية للصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، معتبرة ان قضية فلسطين لا تعني ابناء الشعب الفلسطيني فحسب بل كل المسلمين في العالم. ولطالما كانت هذه المقولة سبيلا لمصادرة القرار الفلسطيني المستقل، باسم القومية حينا وباسم الاسلام حينا آخر. ودائما في العنوانين كان الهدف ضرب وحدة القرار الوطني الفلسطيني والاستثمار في مشروع الانقسام الفلسطيني ومأسسته. وهذا ما شهدناه طيلة عقدين من الزمن على الأقل، ومن دون ايّ مكسب سياسي فلسطيني. بل نشهد خسائر اظهرت ان مسيرة الاسلاميين في مقاربة القضية الفلسطينية لم تقدم ما يسّر الشعب الفلسطيني وقضيته.

داعش

 

إقرأ أإيضاً: هكذا أذلّ الاتراك الجيش الروسي في سوريا!‎

أيضا الغرب الاستعماري و”الشيطان الاكبر” لم يعد عدّواً. فالعداء بين الاسلاميين انفسهم فاق هذا العداء، والوقائع السياسية والميدانية تكشف حجم التنسيق والتعاون بين “الملائكة” و”الشياطين” والاتهامات المتبادلة بين الاسلاميين بالتنسيق مع اميركا شاهد حيّ هذه الايام. والمواقف اللفظية التي تصدر من بعض القيادات الايرانية المنددة بالغرب واميركا ليست الا محاولة ﻹثارة الغبار حول صفقات وتنسيق وتعاون في الميدان. فرغم التدخل الاميركي الواضح عبر التحالف الدولي، لم نسمع من عتاة الاسلاميين الايرانيين واتباعهم اي دعوة لقتال الاميركيين في العراق، ولا تنويها بمن يقاتلهم، بل الثابت ان الدخول الاميركي مجددا الى العراق تمّ بتنسيق وتفاهم ورضى ايراني.

كما لم نشهد صدور اي دعوة من قبل “محور الممانعة”، ان كان موجودا بعد، او من ايران، ﻹنشاء حلف لمواجهة التدخل الاميركي والغربي في سورية او العراق او غيرهما.هذا الفراغ الذي سببه انحسار الخطاب الايديولوجي ضد الغرب، وتراجع قرقعة السلاح في وجه العدو الاسرائيلي، وطيّ شعار حرب المستضعفين ضد المستكبرين ومقولة الشيطان الاكبر، يجري ملؤها بشعارات جديدة تكشفها وسائل التعبئة الجديدة، بما تحمله من عناوين وادبيات، ان لم تكن جديدة، إلا أنها تتصدر المشهد. والاستقطاب المذهبي هو الوسيلة المعبرة عن الفشل الذريع للاسلام السياسي.

حزب الله داعش راس بعلبك
ولعل سؤالا يمكن ان يوجه إلى اصحاب نظرية ان الحدود بين الدول العربية والاسلامية هي بلاء العرب والمسلمين: هل ان قيام تنظيم داعش بإزالة الحدود هو الحل؟ بمعنى انه لو قام بهذه المهمة فريق اسلامي آخر هل كان المعترضون على هذا التنظيم من اصحاب نظرية الحكم الديني سيقفون الموقف نفسه؟

شاهد: بالفيديو: تفجير الطائرة الروسية بعد سقوطها

بالتأكيد فإن قناعات حركات الاسلام السياسي تنطلق في تحديد اهداف سياسية، تسبغ عليها صفات دينية والهية، راذلةً شرعية الشعب او الناس. من هنا فتنظيم داعش هو ابن هذا المسار من الحكم والتحكم باسم الله والدين على الناس. وما دام ان هناك من يعتبر بين المسلمين ان السلطة هي شأن ديني، ولا تقرره ارادة الناس او الشعب، فستجد الشعوب الاسلامية دوما من يخرج بقوة السيف، رافعا راية “لا حكم الا لله”، مدّعياَ انه ينفذ حكم الله على الارض.

باختصار فإن تنظيم داعش كما أنه سؤال برسم شعوب المنطقة ونخبها، فهو بالضرورة نتاج العجز عن حلّ المعضلة التي نفذ منها هذا التنظيم، وهي التالية: اين تكمن شرعية السلطة في الاسلام؟ في الدين ام في الدنيا؟

السابق
هكذا أذلّ الاتراك الجيش الروسي في سوريا!‎
التالي
اردوغان: على الجميع احترام حق تركيا في حماية حدودها