«السبت الأسود» الجديد.. نفايات وصفقات وخطاب طائفي وعنصري!

بلغ خطاب النفايات الطائفي في لبنان، ليل أمس، حدا لا يشبه إلا لحظة مجزرة “السبت الأسود”، عندما دشّن اللبنانيون “حفلة الذبح الجماعي” على أساس الهوية الطائفية. وقال أحد الوزراء مخاطبا زميله بحدة غير مسبوقة: “إذا لم تجدوا حلا لنفاياتنا.. سنقطع كهرباء معمل الذوق عن كل لبنان”. وقال رئيس حزب مسيحي “واعد” إنه إذا لم تجدوا حلاً لنفاياتنا سنمنع أي شاحنة من المرور “بمناطقنا” في طريقها إلى سرار. ولوّح وزير بقطع مياه ضبيه عن العاصمة، فيما لمَّح رابع إلى “عصيان مدني” وبالتالي التوقف عن دفع الضرائب والرسوم للدولة اللبنانية. هذه هي الروحية التي يتعامل بها أهل “النفايات السياسية”، وهو التعبير الذي استخدمه تمام سلام بوجه هؤلاء عندما بلغت الأمور، قبل نحو شهرين، مرحلة بالغة التعقيد بسبب اعتماد نظرية “كل ديك على مزبلته صيّاح”. هل يعقل بعد كل ما سمعناه وشاهدناه أن يبقى مؤمن واحد بالدولة، وهل يستحق هؤلاء إلا أن يُجْرَفوا مع النفايات إلى مطامر خارج لبنان لئلا يفسدوا تربة هذا البلد وخزانات مياهه الجوفية؟

يكاد يشكل ملف النفايات وفق “السفير” أكثر من فضيحة سياسية، وليس خافياً أن هناك من يتصرف على أساس أن الدولة اللبنانية “بقرة حلوب”، وأن قجتها “المفخوتة” يمكن أن تمتلئ فجأة وبسحر ساحر، وإلا من يفسر هذه الاندفاعة لإعفاء البلديات اللبنانية، بما فيها الغنية، من كل ديونها للدولة اللبنانية، وكيف تقدم لها مستحقاتها البالغة 1600 مليار ليرة، وبرغم ذلك، تستمر المطالبة بدفع كل مستحقاتها من الخلوي من العام 1994 حتى الآن؟ وإذا كانت الدولة بوزاراتها ومؤسساتها وإداراتها عبارة عن مزاريب هدر وسرقة على المكشوف، فإن ثمة سؤال برسم البلديات ومن يدافعون عن حقوقها: من يضمن أن البلديات ستصرف هذه الأموال في مكانها المناسب برغم الرقابة المسبقة واللاحقة، والأمثلة أكثر من أن تُحْصَى وَتُعَد عما يجري من ارتكابات في البلديات؟ وماذا عن البلديات التي هي أغنى من الدولة مثل بيروت والغبيري والزوق وجونيه وغيرها، وهل تتحول صناديقها إلى صناديق رشوة لـ”البلديات المحتاجة” كما طرح أحد الوزراء، في اجتماعات الساعات الأخيرة؟ وهل هناك من يجرؤ على مصارحة اللبنانيين بالتكلفة الإجمالية لهذه العملية التي تفترض إنشاء مطمرين أساسيين: الأول في سرار (عكار) يتولاه “المقاول الأول” في الجمهورية، بالتراضي وبشراكة مع بعض النافذين في السلطة وعكار، والثاني في أحد أقضية الجنوب، ولم تتضح لا جغرافيته ولا كلفته ولا كلفة الوصول إليه، وهل هناك من يصدق أن العرض الذي تقدمه بلدية صيدا لأخذ 200 طن من النفايات (من العاصمة والضواحي) على عاتقها شرط أن تُدفن عوادمها وباقي عوادم المطمر (أي أكثر من 200 طن من العوادم) خارج هذا المعمل، فيكون مطلوبا من الدولة أن تدفع الكلفة مرتين إلى معمل صيدا!

لم يعد خافيا بحسب “السفير” أن معظم اللبنانيين سيترحمون في الأيام والأشهر والسنوات المقبلة على “سوكلين” وأخواتها وسيتمنون لو أن المناقصات التي ألغيت قبل ثلاثة أشهر بسبب أسعارها المرتفعة، ظلت سارية المفعول، خصوصا عندما يكتشفون أن الكلفة صارت مضاعفة وربما أكثر.

ما جرى أمس من مشاورات في السرايا الكبيرة وخارجها للترويج للخطة الطارئة والانتقالية للنفايات، يندى له كل جبين إلى حد الفضيحة، فقد حسم “الثنائي الشيعي” أمر “المطمر الشيعي” وحسم “المستقبل” أمر “المطمر السني”، وظل وليد جنبلاط على التزامه بشأن مطمر الناعمة، ولكن كان المطلوب من مسيحيي “8 و14 آذار” أن يختاروا مكبا لنفايات كسروان والمتن وساحل بعبدا المسيحي (فرن الشباك وعين الرمانة وغيرها)، لكن الجواب كان حاسما برفض إقامة أي مطمر مسيحي وطلبوا من حلفائهم من هنا وهناك أن يأخذوا نفاياتهم لأن مناطقهم لا تتحمل ذلك.

(السفير)

السابق
تخيلوا: هؤلاء الاطفال عاشوا طفولتهم كما يستحقون
التالي
الجيش ضبط سيارة بداخلها بنادق حربية ومسدسات وذخائر في الزعيترية