السيد محمد حسن الأمين: الاكتشافات العلمية نعمة الّا ما يعارض منها فرادة الانسان

السيد محمد حسن الامين
حديث بدأناه علميا مع المفكر الاسلامي العلامة السيد محمد حسن الامين حول الخبر الذي تحدث عن اكتشاف كوكب مثيل لكوكب الارض قد يكون عامرا بالحياة، لينتهي الحديث مع السيّد فكريا تناول فيه فرادة الانسان وعدم قابليته للاستنساخ لا بيولوجيا ولا معنويا.

أعلنت وكالة إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) الخميس في مؤتمر صحفي، اكتشاف كوكب خارج النظام الشمسي يكاد يكون مماثلا للأرض، أطلقت عليه «ابن عم الأرض»، ولم يسبعد العلماء ان يكون مسكونا بكائنات حية وربما عاقلة ايضا كالبشر، وفي دردشة لا تخلو من لمحات علمية وفكرية مع العلامة السيد محمد حسن الامين رأى “أن لا مانع إطلاقاً أن يكون هناك كواكب مسكونة بالحياة، بين مليارات الكواكب، بل من المستغرب أن لا يكون إلاّ كوكب الأرض مسكوناً.

وتابع: تلفتني آية قرآنية تقول “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”، واستوحي منها أن الإنسان ليس أفضل المخلوقات ولكن من أفضل المخلوقات، لكن سواء صحّت التقديرات العلمية الفلكية بأن هذا الكوكب يشبه الأرض، وأن فيه ماء وهواء وعناصر حياة، فكيف لنا أن نتواصل مع كوكب يبعد هذه السنوات الضوئية الطويلة عنا (1400 سنة ضوئية)، إلا إذا افترضنا أن ساكني ذلك الكوكب قد اكتشفوا أدوات للاتصال بنا ولتبادل الحديث بيننا وبينهم. وهذا ما نستبعده لأن الاتصال نفسه ليس بالسرعة التي تفوق سرعة الضوء، فلا أدري ما هي الجدوى العملية من اكتشاف كهذا وهو اكتشاف أقرب إلى الظن منه إلى العلم. ولعل مثل هذه الظواهر هي من علوم الغيب المختصة بالذات الإلهية في كون بهذه السّعة الهائلة التي لا تدع مجالاً حتى للحلم أن يدرك اتساعه”.

وحول نظرة الاسلام لمثل تلك الاكتشافات قال السيد الامين: “الدين الإسلامي خاصة لم يقل أن مركز الكون هو الأرض كما قالت بذلك الكنيسة في العصور الوسطى وما قبلها، وأن كلّ ما حولها خلق من أجلها.
إننا مجرّد كوكب صغيراً أشبه بحبّة غبار تسبح في فضاء شاسع وهي جزء من مجرّة، وحولها ملايين المجرّات المماثلة.في حال كانت حياة عاقلة، لا يمكن أن نتساءل عن تداعيات أمر هو بالاستحالة بدرجة لا يمكن حتى للأحلام أن تتواصل معه، فكيف يمكن كل حياتنا وهي شذر من على هذا الكوكب، ف«كل شيء فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال»، أي كل ما وجد من العدم سيرجع إلى العدم، والذات الإلهية لم توجد من العدم إنها أزلية، لذلك هي أبدية أي لا تفنى، أما بقيّة المخلوقات فهي ليست أزلية فهي مخلوقة من العدم وستعود إلى العدم”.

ويشرح السيّد الأمين رؤيته ليوم الدينونة والبعث بعد الموت قائلا: “الأبدية المطلقة والخلود لا تكون للمخلوقات وإنما تختص بها الذات الإلهية.الآخرة أمر حتمي أي البعث بعد الموت والحساب والجزاء والثواب والعقاب، أما عن المدى الزمني لهذه الحياة الآخرة فليس لأحد أن يحدّد عدد سنواتها وقرونها، ولكن يمكننا القول أن كل شيء فانٍ، لأنه مخلوق من العدم، فكما أن الخلق هو لله وحده، فكذلك الأبد هو لله أيضا وليس للمخلوقات، وأما مسألة الخلود في الجنة والنار للبشر بعد الموت فهي مسألة زمنيّة. ولا تعني “الأبدية الالهية”، أي إنها خلود في دائرة الزمان الذي هو بدوره مخلوق من مخلوقات الله عزّ وجلّ”.

ومن ناحية فلسفية يتمادى السيّد الأمين في شرح فهمه للوجود فيقول: “إن وجود الإنسان والمخلوقات كلها على الأرض يعتبر” وجودا ناقصا”، وفوق هذا الوجود وهو الوجود الكامل الذي هو وجود الذات الإلهية.
التقدّم العلمي لا ينفي أن الإنسان يبقى تحت السلطة الإلهية، وهو سيبقى مأموراً ومكلفاً وليس خارج دائرة التكليف سواء صعد إلى أعلى الكواكب أو بقي على الأرض.فالإسلام يرى في العلم مظهراً من مظاهر معرفة الكون والإنسان والمستقبل، وأداة من أدوات تطوير حياة الكائن الإنساني، وبالفعل فإن العلم هو إنجاز حيادي ولكن توظيفه من قبل الإنسان هو الموضوع الذي يجعل منه خيراً أو شرّاً على البشريّة. ومثال ذلك اكتشاف الذرّة، التي ليست شرّا، وإن كان الإنسان قد بادر إلى توظيفها في مجال الشرّ أي العلوم الحرية، وهو الآن يعمل على توظيفها في المجالات السلمية ويجعل منها مصدراً للطاقة ولعمل المحركات تلبي حاجة الإنسان وتطلقه نحو امتلاك الكثير من عناصر التقدّم في المجالات العلميّة التي يمتلكها حاليا ويسعى إلى تطويرها في المستقبل”.

وبالنسبة لما يحكى عن تجاوزات اخلاقية يمكن ان تؤدي اليها بعض البحوث العلمية كالاستنساخ يؤكد السيّد الأمين “ان الاستنساخ كإنجاز علمي لا يمكن أن يكون شرّاً بذاته، بل هو مؤهلاً لإطلاق إنجازات لا حدود لها في مجال الطب والتنمية الحيوانية والزراعية وغيرها من المجالات، يبقى أن الاستنساخ إذا طاول حياة البشر، أي الاستنساخ البيولوجي للأفراد دون تلقيح من ذكر لأنثى فإنه حسب رأيي يشكل عدواناً على حق طبيعي من حقوق الإنسان وهو حق الفرادة، فمن بين مليارات من البشر الذين خلقوا على الارض لا يوجد بينهم فردان متماثلان، لأن لكل فرد كيانه الخاص الذي يختلف به عن الآخر، وهذا ما أسميه “بحق الفرادة” وأنا طالبت بنشر هذا الحق في النشرة السنويّة للأمم المتحدة المعنيّة ببنود حقوق الإنسان، وذلك بأن يضاف إليها حق الفرادة بوصفه حقاً طبيعياً لكل فرد من أفراد البشرية لا يجوز العدوان عليه واستنساخه استنساخاً كاملاً لا بيولوجيا ولا معنوياً، أما استنساخ الأعضاء البشرية فقط دون روح إنسان كاملة، فهي نعمة يجب على الإنسان أن يعمل عليها”.

وبخلاصة نهائية لما تقدّم يرى السيّد محمد حسن الأمين انه “لا يمكن المقارنة والمفاضلة بين العلم والدين فلكلّ منهما حقله، والدين حقله الإجابة على أسئلة الغيب، كما انه يحضّ على العلم.أما العلم فمجاله هو الظواهر الطبيعية ودراستها وترويضها وتكييفها واكتشاف العناصر التي يمكن أن تطوّر حياة الكائن الإنساني على هذه الأرض.العلم ليس مسؤولاً عن الإجابة على مسألة “الأزل والأبد” وعن أصل الكون، أعني عن الخلق الأول للكون وليس عن تطوّر الكون والكائنات، فالعلم لا يمكن أن يجيب عن سؤال مختلق من العدم، لأن العلم ليست وظيفته الإدراك أن هناك وجوداً كاملاً مختلفاً ومهيمناً على وجود المخلوقات الناقص، بل الدين هو من يجيب عن هذا السؤال، فيقول أن الوجود الكامل هو الله والأبدية هي لله وحده”.

السابق
إلى السيد حسن نصر الله: «بعد إلك عين تتهم حدا بالعمالة»؟!
التالي
الطقس غدا غائم جزئيا مع انخفاض بالحرارة وضباب على المرتفعات ليلا