قراءة في صورة لمقاتل من حزب الله في الزبداني‬

لافتات شباب الزبداني

‫انتشرت مؤخرا صورة لمقاتل من حزب الله في الزبداني. في هذه الصورة يحمل رجل يرتدي زيا عسكريا دفترا كبيرا كتب على غلافه “من أرض الزبداني، من مجاهدي المقاومة الاسلامية، طلعت ريحتكم، بدنا نحاسب” وفي أسفل اللافتة كتب أسماء أشخاص واسم بلدة لبنانية جنوبية وكتابات أخرى غير مفهومة. يقف الرجل أمام جدار بُنِي من حجارة الباطون، ويخفي وجهه بالدفتر (اللافتة). الجدار مثقوب. أمام الرجل طاولة وضع عليها ابريق وثلاثة أكواب شاي وعصا خشبية وملقط فحم. لا يحمل الرجل سلاحا.‬
‫خلال السنوات الماضية‬ وقف شباب وشابات، ربما في المكان نفسه، أو في مناطق مختلفة من هذه المدينة السورية، حملوا لافتات من الكرتون والورق، كتبوا عليها آراءهم السياسية بلغة واضحة واحدة منها كتب عليها “يا الله سيزيفيون نحن” حملتها ناشطة تحت شمس ساطعة وسماء زرقاء وفي ظل علم الثورة السورية. وحمل شاب يافع خلال اعتصام ليلي في المدينة عينها لافتة كتب عليها: “في عيد العمال: نحيي حفاري القبور، الوحيدون الذين يعملون هذه الأيام”.
عندما يشاهد الناشطون السوريون بشكل عام وخاصة أبناء مدينة الزبداني، بماذا سيفكرون؟ هل سيعود من تهجر منها ليعاود رفع اللافتات التي تطالب باسقاط النظام السوري مثلا؟ هل سيخرج من بين الأبنية المحاصرة من بقي فيها وينضم إلى هذا المقاتل غير المسلح (بحسب الصورة) ويقف إلى جانبه ويرفع لافتة أخرى كتب عليها: “من أرض الزبداني، من ثوار الزبداني، طلعت ريحتكم، بدنا نحاسب”؟
قد يخبر الثائرُ السوري المجاهدَ أثناء وقوفهما عن مؤمن الدالاتي الذي استشهد منذ عامين تقريبا، مؤمن المتظاهر السلمي والمسعف والفنان، كما كتب عنه رفاقه، مؤمن الذي رفع اللافتة-“الدليل”: “نموت ومطالَبين بتقديم أدلة على موتنا”، وغاب عنا. هنا، ماذا سيقول المجاهدُ للثائر؟ من دون شك سيخبره عن إخوته الذين استشهدوا في سوريا، وغابوا عنا. وقد يُخرِجُ الثائر هاتفه ويبحث في الصور حتى يصل إلى واحدة التقطت ليل 29 أيار عام 2012 تتضمن لافتة كتب عليها: “في وطني لم ينعم بالحرية سوى الموت”.
“ضَعِ الكلامَ على المجاز. ضَعِ المجازَ على
الخيال. ضَعِ الخيالَ على تَلفُّته البعيد.
ضَعِ البعيدَ على البعيد”. (محمود درويش)
بالعودة إلى جملة المقاتل التي تقول “‫طلعت ريحتكم، بدنا نحاسب‬” من هم الـ”كم” ومن هم الـ”نا”؟ وهل فقط يقتصر الموضوع-المأزق على “طلعت الريحة” وعلى “إرادة المحاسبة”، وهل تكفي المحاسبة أصلا؟ نعم من حق هذا المقاتل أن يرفع هذه اللافتة وأن يطالب بالمحاسبة، فهو، كما الجميع، ضحية هذا النظام. ومن حق الثائر السوري رفع لافتته أينما شاء، ومن الأفضل أن يقف بالقرب من قبره لأن رفع لافتة هو “جريمة” بحد ذاتها “تستحق” الإعدام الميداني.
نعم هو مأزق، دوامة العنف غير متناهية في سوريا، بمشاركة من حزب الله. نظام رأسمالي طائفي يتحكم بسكان لبنان بمشاركة من الحزب عينه. إذا من هم الذين “طلعت ريحتهم” ههنا؟ بالطبع ليس الحزب لوحده في هذه الصورة، لكنه ضمنها، إذ يكفيه “مديح” نائب كتلة المستقبل، محمد الحجار حين ‏‫قال‬: “عام 2006 خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، [وضع] وزير الطاقة محمد فنيش ‏‫خططا‬ بالجوهر لم تكن مختلفة مع ما سار عليه الرئيس رفيق الحريري”.

فاصل ونواصل
أما في سوريا فالوضع مختلف. الجمهورية العربية السورية يرأسها طبيب عيون، بهي الطلة، أزرق العينين، خريج “جامعات بريطانيا العظمى”، يحكم الكرة الأرضية وعدة كواكب. رئيس أخفى أوروبا عن الخارطة. يقاوم الاحتلال. يدعم المقاومة. يحارب الإرهاب. يعلم التلاميذ مجانا. يطبب الشعب الكادح مجانا. ‏‫المعارضة غير موجودة‬. تشاركه البرجوازية في تحمل هذا العبء. الشعب يتناسل بكثافة. النظام يريد زراعة البطاطا. “وما في شي بحمص”.

لو…
تحررت أو سقطت القصير ويبرود وغيرهما، انتصر النظام السوري وحزب الله على “الإرهابيين”. ولكن، هل عاد المهجرون إلى بيوتهم؟ وإذا عادوا، هل باستطاعتهم رفع لافتاتهم من جديد؟ وهل ستتمكن اللافتات من إسقاط النظام؟ وهل سيتمكن النظام من الحفاظ على وجوده إذا أوقف اطلاق النار؟
وفي لبنان، هل ستتمكن اللافتات من إسقاط النظام؟ ما هو موقف-فعل مكونات هذا الأخير من أي تهديد لوجوده؟ وكيف سيكون المشهد حينذاك؟ سيكون الدامور والمرفأ والنبعة وتل الزعتر والجبل والكرنتينا وشرق صيدا وقانا ومشغرة ودير الأحمر وصبرا وشاتيلا وحسين مروة ومهدي عامل والأونيسكو والبربارة وجسر البربير وبرج المر وأجراس الكنائس والمآذن ونهر الموت والقليعات. وسيكون جسر المطار، وحي السلم، و7 و9 آب، ونهر البارد، وعرسال، و7 أيار، سيكون الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية…
ولكن ستكون هناك لافتات في لبنان وسوريا، وغيرهما، تسمي الأشياء بأسمائها وتعيد الحكاية من الأول، لا لتموت، على الرغم من أنها قد تقتل، إنما لكي تحلم.

لافتة في الزبداني

لو كل الأغاني اللي غنوها لحروبن غنوها للحب
لو كل الشهدا اللي بعتوهن تيموتو بقيوا وزرعوا الأرض
لو كل الأطفال اللي حملو رايات النصر لعبوا ورسموا الفي
لو كل هللي نحنا اللي دفنونا بالعتمة نسأل وين الشمس

(المنشور)

السابق
خلاصة فكر العماد عون … للبنان والعالم
التالي
How activists reclaimed Beirut’s coast and why it matters