مشاهدات ايرانية(1): إيران.. التي تخدّر الشيعة في لبنان!

ايران
في رحلتها الى إيران يظهر للزميله سلوى فاضل تطابق سياسة الحملات الدينية اللبنانية مع سياسة الجمهورية الرسمي في التركيز على مسألة تقديس المقامات والأضرحة من خلال برنامج زيارات مكثّف لعدد غير قليل من الشخصيّات المعروفة منها وغير المعروفة.

في محاولتها لدمج المشروع الديني مع السياسي من جل ستيلاد عقيدة شيعية مجاهدة، تعمل إيران على ما يبدو على تخدير الشيعة في العالم، وذلك من خلال ما يقوم به أصحاب الحملات الدينية من رحلات دورية إلى المقامات فيها بصحبة الجمهور الشيعي المؤمن .

إقرأ أيضاً: هل يتجرّع السيد حسن السمّ الذي تجرعه الإمام الخمينيّ؟

ويتساءل اللبناني الزائر لإيران ضمن احدى الحملات الدينية عن معنى أن تركّز تلك الحملات على أماكن محددة جميعها تشبه بعضها في الشكل والمضمون مع إختلاف الإسم والمكان.

مقام الإمام الرضا

ففي مقام الإمام الرضا ثامن الأئمة الاثنا عشر في مدينة مشهد ترى الإنفاق الهائل والبذخ على مجمّعات دينية مرفقة بالضريح، ضخمة كبيرة، وذات زركشات مميزة ومُكلفة، إضافة إلى العدد الهائل من الموظفين والموظفات والعمال والحرس والمنظمين والإداريين، وهذا كله ينطبق على جميع المقامات المنتشرة بكثافة في الجمهورية الاسلامية الايرانية.

فهنا مقام لإبن الإمام الفلاني، أو بنت الإمام الفلاني، وصديق الإمام الفلاني، وإلى ما هنالك من سلسلة طويلة من المقامات والأضرحة، بحيث يستغرب المرء كيف انتقلوا جميعهم من شبه الجزيرة العربية إلى إيران -الشيعية حاليا- في العصر العباسي والأموي، علما أن التشيّع لم يكن قد وصلها في ذلك الوقت.

وهو ما لاحظنا انتقاله الى لبنان بعيد حرب تموز 2006، ففي الضاحية الجنوبية لبيروت بالذات، تم بناء العشرات من المجمّعات، حيث بتنا نسمع عن عدد من المجمعات الدينية في المنطقة الواحدة، – والمجمع الذي يضم عادة مسجدا وحسينية هو البديل عن المقام او الضريح المقدّس، كون لا وجود لضريح لإمام أو معصوم أو وليّ في لبنان -.

ويستبعد المعرّفون وأصحاب الحملات، زبائنهم من الزوّارعن مواقع التراث والتاريخ والحضارة الفارسيّة والمتاحف. رغم ان هذه الدولة غنيّة بحضارتها وتاريخها ودور قادتها قبل الإسلام، إضافة إلى دورها المعاصر سواء على عهد الشاهنشاهية أو الجمهورية الاسلامية .

لكن إيران بلد نظيف، ومرتب، وهادئ، ويتجلى فيها النظام على العكس من وضعيّة جمهورها اللبناني الفوضوي، وغير المُنظم. وقد تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى في الطائرة التي تشاركنا فيها كلبنانيين من طهران إلى بيروت، والعكس صحيح، حيث إعتقد اللبنانيون الزوار أنهم في بيوتهم، فهذه تصرخ، وذاك يتنّقل داخل الطائرة كأنه في شارع من شوارع حيّ السلم، ضاربا عُرض الحائط بالنظام الجويّ.

الجمهور الشيعي البريء هو جمهور مؤمن ساذج طيب، ويتأثر بسهولة بمن يساهم في ترويج هذه الحملات لوجوبها الديني بعد تأكيد استحبابها من قبل رجال الدين. فترى العجوز تجبر نفسها على تحمل مشقة السفر من اجل الحديث الديني الذي يقول (من زار فلان الفلاني ضمنت له على الله الجنة)، كما سمعتُ عدة أحاديث تشبه بعضها البعض، وجميعها مأخوذة عن مصدر واحد حتى وصل مفعولها الى أبناء الأئمة ورفاقهم.

والذي يدعو للسخرية ان اصحاب الحملات ينكثون بوعودهم للزوار في كثير من الأشياء التي وعدوا بتقديمها لهم في رحلتهم، ويبررون تقصيرهم بالقول أن الزائر كلما تعذّب خلال زيارته لاهل البيت عليهم السلام كلما كسب أجرا أكبر!

مقام ايران

أما في إيران، فالدولة الدينية وسلطاتها، قد استغلت عمليّة توسعة المقامات وإبرازها كأنها مهمتها الأولى، لكنها كانت تسير جنبا إلى جنب مع الملف النووي الإيراني والذي شغل العالم، وملف تنظيم البلد وترتيبه وتطويره لدرجة انك لا تفكر بتأمين الضروريات البديهية كالمياه والكهرباء والطرقات والنفايات كما هو حالنا في لبنان.

من شدة الازدحام تحسب ان الشعب الإيراني بمجمله يقضي أوقاته داخل المقامات ليلا نهارا، ما يدفع المرء إلى التساؤل متى يعملون؟ متى يعيشون حياتهم كمواطنين؟ متى يكونون خارج إطار المقامات؟ ومتى ينتجون؟

فالمقامات الدينية دوما مليئة بالناس، كبارا وصغارا لدرجة يعتقد معها المرء انهم يفكرون في الداخل.

ورغم ان إيران بلد الدقة، وهذاصحيح ، لكنها أيضا بلد البرودة و(البلادة)، وهم بالذات من يُطلق عليهم مقولة “الذبح بالقطنة”، ما يدفع للتساؤل كيف قام هذا الشعب البارد بثورتهم النارية التي خلعت شاه ايران المستكبر العظيم؟

وهل يتعظ الزّوار الشيعة من ايران الدولة والشعب، ام اننا فقط نقوم بزيارة مراقد دينية مقدسة لأئمة رحلوا منذ مئات السنين دون أي عبرة أو درس تاريخي منّا نحن المعاصرين؟

إقرأ أيضاً: عن خبر استشهاد موسى الصدر: من يصدّق أنّه لا زال حيّاً؟

وربما لهذا السبب يتعامل الإيرانيون مع الزوار بإزدراء حتى داخل المقامات الدينية.

السابق
وزير البيئة التقى وفد المضربين عن الطعام
التالي
«الجنرال» يُحبط كميناً فرنسياً.. لن أنخدع مرّة ثانية!