29 آب: خوف وخيبة من 2005.. حيرة وحلم 2015

تظاهرة رياض الصلح
يجمع المتظاهرين الخيبة بـ"مقاومة" لم تبنِ الوطن، وبقوى 14 آذار التي لم تعبر إلى الدولة، ويجمعهم الخوف. في مقلب 14 آذار هناك الخائفون من "حزب الله"، وفي مقلب الممانعة، قدامى 8 آذار، هناك الخائفون من خيارات أوصلت لتكون "داعش" على حدود لبنان، ومن الجوع والفاقة.

نصف المتظاهرين يوم السبت كانت أعمارهم تحت 25. أو ربما أكثر من الصف. ما يعني أنّهم، في آذار 2005، بشقّيه الثامن والرابع عشر، كانوا أطفالاً، أو قل مراهقين. لم يشاركوا في “صناعة” المشهد السياسي الذي كبروا عليه وكان جزءا من تقرير مصيرهم.

هؤلاء دخلوا الجامعات بضغط من “فشل” محاولات الإصلاح، أو قل “ادّعاءات” الإصلاح التي رفعها الطرفان. ودخلوا سوق العمل، أو قل: حاولوا دخول سوق العمل، في واقع ليسوا مسؤولين عن قراره.

هؤلاء بات عمر بعضهم 21، وآخرون 25، أي بات يحقّ لبعضهم المشاركة في العملية الانتخابية، وبعضهم كان يجب أن يشارك في دورتين انتخابيتين، لكن لم يشارك بسبب “التمديد” لمجلس النواب.

هؤلاء بعضهم عاطل عن العمل أو يعمل في شروط مهنية سيئة بسبب فساد النقابات وارتهانها لأحزاب السلطة المذهبية. وبعضهم يحاول “التوظّف” بالتذلّل لهذا الزعيم أو ذاك، فإما يُرفَض، أو يتمرّد. وفي الحالتين يشعر بالقهر في القعر.

النصف الآخر هم من الخائبين والخائفين. الخائبون من تجربة 14 آذار ووعودها، من بقايا اليسار الديمقراطي، والخارجين من “تيار المستقبل” وعليه، أو الباقين فيه مع خيبات كثيرة، من إشتراكيين لم يجدوا اشتراكية في المختارة، ومسيحيين لم تنقذهم خيارات عون.

هي تظاهرة الخوف والخيبة من آذار 2005 بشقّيه، ومحاولة تأسيس حلم، على أنقاض حيرة آب 2015

وبعضهم من “حركة الشعب” و”الحزب الشيوعي” و”الحزب القومي” ويسار “حزب الله”، مثل موظفي جريدة “الأخبار” و”السفير” وهذا الجوّ الإعلامي، والخارجين من حركة “أمل” وعليها، مثل المنضوين في مجموعات حول محمد عبيد.

تجمعهم الخيبة بـ”مقاومة” لم تبنِ الوطن، وبقوى 14 التي لم تعبر إلى الدولة، ويجمعهم الخوف. في مقلب 14 هناك الخائفون من “حزب الله”، وفي مقلب الممانعة، قدامى 8 آذار، هناك الخائفون من خيارات أوصلت لتكون “داعش” على حدود لبنان، ومن الجوع والفاقة.

يجمع كلّ هذه التلاوين الحيرة في “الغد”. بمعنى أنّه “وقد اجتمعنا وأعلنا أنّنا كثر، 30 أو 40 ألفاً، فماذا نفعل بكثرتنا الآن؟”. كيف تؤطر هذه المجموعات أعداد المتعاطفين معها؟ كيف تصيغ شعارات ما بعد استقالة وزير البيئة والانتخابات النيابية؟

ويجمعها الحلم. الحلم بتجاوز ثنائية 8 و14، وهي ثنائية سياسية – مذهبية، سنية – شيعية من جهة، وأسيرة خلافات سياسية عميقة في الانتماء إلى محور إيران او محور الخليج – الغرب. الحلم بتجاوز هذه الثنائية صعب، لأسباب محلية ومذهبية وإقليمية ومحلية. لكنّه حلم جميل ونبيل.

هي تظاهرة الخوف والخيبة من آذار 2005 بشقّيه، ومحاولة تأسيس حلم، على أنقاض حيرة آب 2015. وهي “إشارة” على طريق قد يكون طويلا أو قصيراً، لكنّه يشبه الطريق الذي أوصلنا إلى آذار 2005، وبنينا عليه 10 سنوات من السلطة، بحكوماتها ومجلسي نوابها ورئيسها الوحيد.

متظاهرون

طريق نبدو معه في “لحظة قرنة شهوان” أو في لحظة “البريستول”، بانتظار تغيير كبير يعادل “اغتيال الرئيس رفيق الحريري“، سلباً أو إيجاباً، لتقوم على أنقاضه “حركة شعبية” كبيرة، تقطع مع ما قبلها، كما قطع آذار 2005 مع مرحلة الوصاية السورية.

قطعا لا يبدو ممكنا حالياً من دون انتخابات نيابية وفق قانون نسبي، أو على الأقلّ مختلط، ومن دون انتخابات رئاسية بعيدة عن 8 و14، بإسمين لا ثالث لهم، بعد الحراك المدني، إما عسكري أو مدني، أو من يشبههما في حمل آفاق تغيير ولا يكون ابن التركيبة العقيمة بين 8 و14.

الأهم هو نجاح مواجهة النفايات، ﻷن هذه الطبقة السياسية ستحرص على منع التحرك من الانتصار انتصارا صافيا، كي لا تمتد “اليد المدنية” إلى ما بعد النفايات وما بعد بعد النفايات…

السابق
تساؤلات وتحدّيات أمام انتفاضة الشباب
التالي
توقعات ليلى عبد اللطيف