الاتفاق مع بلطجي المنطقة!

الاتفاق النووي

وأخيرا انتهى المهرجان الدرامي المسمى بالموافقات الأميركية الإيرانية على البرنامج النووي. توصل الفريقان إلى اتفاق بعد مد وجزر غير عادي. كان من الواضح جدًا أن الاتفاق قادم لا محالة وأن العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران في تنامٍ ملحوظ وأن حالة العداء بينهما هي حالة سياسية ولكن المصالح بينهما كانت في تنامٍ غير عادي. والحديث عن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما هو وحده المسؤول عن عودة العلاقات بين البلدين بهذا الاهتمام هو نوع من السذاجة السياسية، فالتناغم الأول جاء مع إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي احتاج إلى «غطاء» من إيران ومرجعياتها لدعم غزوه للعراق، وكان ذلك نقطة الانطلاق الأولى، وبعدها جاء باراك أوباما بعقيدة سياسية جديدة، رغبة منه في إغلاق ملفات الحروب التي تشارك أميركا بشكل فعلي فيها وإصلاح ملفات «عالقة» منذ قديم الزمان، فأقدم على صلح مع ميانمار (بورما) وكوبا وأخيرا إيران (بقيت كوريا الشمالية حتى الآن بلا حل من ضمن ملفات الدول المعادية والمارقة بحسب التصنيف السياسي الأميركي).
الاتفاق يأتي بعد مباحثات طويلة، وحقيقة الأمر أنه على الرغم من تصوير الإعلام الإيراني له بأنه «انتصار للجمهورية الإسلامية» فإن الاتفاق حقيقة تأكيد على الحماقة السياسية التي أدت إلى حرمان إيران من فرص فك الحصار عنها منذ عشر سنوات على أقل تقدير لأنها رضخت تماما لنفس الشروط التي كانت معروضة عليها قديما.. شروط تأتي بعد أن أنهكت إيران العقوبات الاقتصادية والحصار الذي كان معها، وشعبا في مقتبل العمر لا يجد فرص العيش بكرامة لأنه مقموع ومقهور بسبب تفرغ دولته لتصدير الثورة للغير.
إيران لن يكون لديها برنامج نووي غير سلمي ولن يكون بمقدورها إنتاج سلاح نووي.. هذا هو الاتفاق المعلن الذي تم الاتفاق عليه، ولكنّ هناك بنودا مقلقة وتدعو للحذر جدا منها، وهي السماح لها بالحصول على السلاح وشرائه مما يعني تطوير ترسانتها التي لم تستخدمها إلا لأجل القلاقل والتدخل في شؤون الغير كما حصل في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وسترفع عنها العقوبات الاقتصادية ويفرج عن أرصدتها المصرفية المجمدة نتيجة فرض هذه العقوبات، مما سيمكن إيران من الإنفاق لتكون بحق «دولة راعية للإرهاب» باعتراف نفس الأطراف التي أبرمت معها الاتفاق النووي الأخير.
وفي الاتفاق لا يوجد أي تعهد أو شرط بأن تتوقف إيران عن مشروعها ولا عن دعمها للجماعات الإرهابية التي ترعاها في أكثر من موقع في العالم العربي. إذا كانت إيران مزعجة قبل الاتفاق بما قامت به من ضرر في المنطقة فإنها بعد الاتفاق تحولت إلى خطر يجب الحذر الشديد منه.
المنطقة تحولت بفعل هذا الاتفاق إلى سباق محموم في التسلح النووي والمشاريع المعلنة تتحدث عن نفسها، فهناك دول أعلنت عن هذا التوجه صراحة مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. كذلك سيؤدي الاتفاق إلى تأجيج الصراع الطائفي بشهية إيرانية هائلة مدعومة بالإحساس بالنشوة والانتصار الذي تسعى لترجمته جغرافيًا في مواقع مختلفة تعتقد أنها أصبحت ضمن إمبراطوريتها الجديدة (بحسب اعتراف أحد المحسوبين على نظامها). لم يعد من المقنع إطلاق شعارات المقاومة والممانعة في سياسة إيران وحلفائها لأنه من المفروض أن الدول الكبرى لم تكن لتقبل هذا الاتفاق مع إيران وهي لا تزال في حالة «عداء» مع إسرائيل، وبالتالي سيتحول خطاب إيران العدائي وأذنابها إلى مواجهة مع العالم العربي بأسره. وما نراه من مواجهات معها ليست إلا «بروفة» متواضعة ومقدمة بسيطة لما هو آت.
إيران لم تتحول إلى شرطي المنطقة كما يراد أن يروج لها ويُمنح لدورها الجديد نوع من المصداقية والتقدير والجدارة، ولكنها أصبحت «فتوة» الحارة والبلطجي المرخص دوليا، وشتان ما بين الدورين.

(الشرق الاوسط)

السابق
أوباما ينذر طهران بعواقب شديدة إذا أخلّت بالتزاماتها
التالي
ثلاثة معايير للحكم على الاتفاق النووي الإيراني