حزب «الهلالين» المكسورين

بول شاوول زياد الرحباني فيروز

عندما تقرأ «أبواق إيران» في لبنان، صرت تحس بالنشوة. ليس لأنك منتشٍ بما يقولون، أو بما يتفوهون، أو ربما يهرّون فقط، وهذا كله مصدر نشوة.. بل بتلك «النشوة« المتفجرة من أصواتهم وقسماتهم، للخراب. نشوة الخراب يتكلمون عن الخراب كمن يتكلم عن «حب أبدي» أو رغبات متفشية، أو تمنيات معشوقة. حزب الخراب وخليله، لا يريحه منظر أو سلوك، أو مظهر سوى الخراب؟ فالتعطيل المتنامي للبلاد من افراز «هرموناته» ومن تجليات «جيناته» لكن أكثر ما يُنشيك في رغباته السافرة هو اتهام الآخرين بنزعاته المريضة. كأنما حلّه وترحاله من حيث ينتظره الموت والقتل والعدائية والسادية (والسادية متعة أيضاَ والقتل لذاذة والموت وعد بالجنة).

ما عدت تعجب أو تسأل، بل عليك ان تستمرئ وجباته اليومية الدسمة من التدمير، والتسفيه ورشق الآخرين بوحوله. قبل أيام مثلاً يصرح نبيل القاووق (نائب رئيس المجلس التنفيذي) خلال مناسبة عزاء (وكل أيامنا منذ عشر سنوات باتت عزاء بعزاء ومجالس عزاء، كأن «كل يوم كربلاء») بأن الدول العربية تدعم تنظيم «داعش». عال أي انه يتهم العرب بدعم حليفهم الأثيري الارهابي في سوريا وفي لبنان. طبعاً، متعة «التعمية» تغلب كل الرغبات الدفينة. فالنفاق متعة جسدية وروحية ومذهبية ووطنية.

وها هي بعض الصحف المنخورة بماضيها الذهبي مع الطغاة والتواطؤ مع العملاء وتضليل الحقائق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تتماهى بمتعهم التخريبية بأجمل منها عندما تتحفنا بنشر خرائط وجود «خلايا داعش» وأمكنتهم. فالقاووق ضمنياً يهدد اللبنانيين «بداعش« الذي بات مجازاً لأبو عدس وللإرهابي شاكر العبسي.

لكن، كل ما صدر من معلومات حول ارتباط هذا التنظيم بإيران وبنظام البعث، يتجاوزه «غلمان الحزب» وكل التنسيق بينهما يموهونه. لماذا لم يخبرنا القاووق متى اندلعت معارك بين الحزب و«داعش« في سوريا؟ ولا مرة يا نبيل القاووق! فليخبرنا كيف جاءوا بـ»داعش« إلى القلمون لحظة اعلان الحزب بدء معركته في القلمون، ليدعم الحزب، ويحارب المعارضة السورية. بل كيف كان يمر الحزب بمواقع «داعش«، فيلقي السلام عليها، ويكمل لمحاربة الجيش الحر كأنما حلف «داعش« والحزب (عبر إيران) أشبه بحلفه مع اسرائيل. من تحت طاولات الدم ومن فوقها. وها هو القاووق يتهم الدول العربية (ويقصد تحديداً السعودية) بدعم هذا التنظيم الارهابي. ارهاب ايران جزء من ارهاب «داعش« وإلا كيف يهدد هذا الأخير السعودية، ويفجر الكويت، ويهدد لبنان؟

[ جماعة السفارة

أما اتهام فريق لبناني بالعمالة للسفارات، فأجمل وأروع وألذّ. فحزب ايران وسفارتها وسفيرها ومرشدها وحرسها الثوري وسليمانها، وجعفرها يلقي التهمة على بعض الساسة اللبنانيين (وكل معارضيه المتنامين من الشيعة) «ليبعد» عبثاً التهمة عنه. وعندما صرح السيد حسن نصرالله بأنه «جندي في جيش ولاية الفقيه« عليك ان تفهم أن الآخرين جنود في «الجيش العربي» وعملاء لسفارتي أميركا واسرائيل. وعندما يقول الشيخ نعيم قاسم إن الحزب كان يقاوم اسرائيل «تحت أمرة ولاية الفقيه«. فعليك أن تفهم أن الآخرين يتحركون تحت إمرة الخارج. وعندما يعلن بعض قادة بني فارس أن لبنان بات ولاية من ولاياتهم، فعليك أن تفهم أن الآخرين يعلمون ان لبنان كله ولاية من ولايات القوى الخارجية. وعندما يوسع الحزب باطراد كانتونه المذهبي الذي بات بؤرة للفساد وتصنيع المخدرات والأدوية المزورة وتوزيع اللحوم الفاسدة، فعليك ان تفهم أن الآخرين هم الفاسدون والمجرمون!

[ أوركسترا سليماني

ولكي تستكمل أوركسترا حزب سليماني اسطوانات «الحقيقة» وتسمع وزير «اللاصناعة» يتفوه: «في لبنان ساسة ونواب وقادة أحزاب وإعلاميون وبعض رجال الدين (يعني إهدار دمهم) انخرطوا في «الفتنة» فعليك ان تفهم أن حزب الفتنة يرشق الآخرين بما هو فيه. فهذا الحزب ذهب إلى سوريا لتحويل الثورة الشعبية فتنة مذهبية. وشارك في الانقلاب الحوثي ليدعم الفتنة المذهبية في ذلك البلد العربي. وعندما يرجع إلى القلمون ويهدد بدخول عرسال فلينقل «الفتنة» إلى لبنان. وعندما يُتهم عناصر منه باغتيال الرئيس الحريري، فعليك أن تفهم أن ذلك لإحداث فتنة، فعليك أن تفهم، أن «أجندة» اغتيالاته ما هي إلا لدرء الفتنة. وعندما يؤلف الحزب «لواء العشائر« مهدداً عرسال به فعليك أن تفهم أن عرسال هي التي تعلن حرباً فتنوية عليه. وعندما يعلن الحزب أنه يدافع عن أهله (من هم أهله؟ الشيعة الموجودون داخل سوريا؟ الكانتون المذهبي؟ سرايا الغيستابو؟) فعليك أن تفهم أن الآخرين يدافعون عن الوصاية الإيرانية في لبنان. فهو يحمل سلاحه لكي يدافع عن حدود الوطن كما يقول نوار الساحلي، تماماً كما صرح بعض قادته سابقاً، انهم يدافعون عن لبنان في قتلهم الشعب السوري، ويدافعون عن لبنان في اشتراكهم مع الحوثيين الانقلابيين في اليمن، والدليل هذه الأرتال من الشباب التي تعود بنعوش إلى «وطنها» دفاعاً عن الأسد وخدمة لإيران. بل أكثر: يقول الساحلي «إن المقاومة (أي مقاومة) قطعت عهداً على نفسها ان تدافع عن أهلها ضد أي عدو أو محتل». رائع! لكن الحزب يحتل وإيرانه بلداً عربياً. كما تحتل إيران بلداً آخر هو العراق بمساعدة اسرائيل وأميركا. فإذا كان الحزب يقاوم كل محتل، فلماذا بات يشكل جزءاً من الاحتلال الإيراني للبنان؟ بل لماذا لا يذهب بسلاحه ويحرر «الجزر الثلاث» العربية التي اغتصبتها إيران من دون أن ننسى عربستان واستطراداً الجولان (مر الحزب بالجيش الاسرائيلي قرب الجولان و»تجاهله» لأن محاربة اسرائيل ليست من أولوياتنا اليوم». (ولا غداً ولا إلى يوم الحشر والنشر). ومن هذا الباب التحريري نذكر ان الحزب حرّر الجنوب تحت امرة ولاية الفقيه من الاحتلال الاسرائيلي وسلمه إلى احتلالين سوري وفارسي؛ فما أروع حزب التحرير الذي يكره التحرير، وها هو الساحلي يتوج كلامه الذهب والفضة بقوله «المقاومة تحمي حدود الوطن»! فما احسن «خطابك يا ساحلي» وما ابلغه، وما أروع قوة بيانه! هذا الحزب الذي انتهك الحدود اللبنانية السورية كان يرفض تسليم الجيش هذه المهمة. فهو الذي يحمي الحدود لا الجيش… وعندما طالب الآخرون بانتشار قوات دولية لمنع التسلل من وإلى لبنان صرخ الحزب لا! لا الجيش اللبناني، ولا أي قوة خارجية (فالحزب كما تعلمون سيادي حتى العمالة، واستقلالي حتى القتل. ومن هذه الحدود المنتهكة، مرّ الحزب بأسلحته، ورجاله، ومدافعه، ورسالته «الإلهية» والدينية، والوطنية، والإنسانية، ليدافع أولاً عن مقام السيدة زينب (وكأنها طلبت من داخل قبرها بذلك) ثم الدفاع عن نظام الأسد (عندما دخل الحزب تنامى داعش، وتقلّصت سيطرة النظام 40 في المئة في سوريا. ثم محاربة التكفيريين والإرهابيين). والخميني يا سادة أوليس تكفيرياً. كفّر سلمان رشدي وكل حلفائه الذين ساندوه في إسقاط الشاه، وقتل ألوفاً منهم، ونفاهم. وعليك أن تختار. اليوم من يحارب حزب الله في سوريا أدفاعاً عن مقام السيدة زينب، أم التكفيريين، أم «داعش«، أم الشعب السوري؟ ربما بات السؤال في غير محله؟ لأن الحزب انهزم في كل معاركه في سوريا، وبدلاً من إنقاذ الأسد، زاد سقوطه وغرقه، إلى درجة لم نعد نسمع أن الحزب ما زال في سوريا. نعم! عاد خالي الوفاض إلاّ من حليفه داعش، الذي رافقه إلى القلمون. هل تغيرت الخطة؟ لا! انهزم الحزب وجاء يعوّض «بنصر» ضيق في القلمون، وكذلك بفتنة مذهبية في عرسال، أملاً بتعويض هزيمته وإيران في سوريا، بتقسيمها. ذهب ليوحد سوريا حول الأسد، ثم عاد ليقسمها حول الأسد: ساحل غير قابل للحياة، يحتاج إلى ممر، وهذا الممر إلى الخارج موجود عبر القلمون عرسال، إلى الكانتون المذهبي. ذَهَبَ إلى سوريا بكانتون واحد في لبنان، وعاد بحلم كانتونين في سوريا. ذهب بهلال مذهبي (صهيوني) في لبنان، وعاد بربع هلال مذهبي (صهيوني) في سوريا! ويمكن عندها أن نسميه حزب الهلالين المكسورين!

وإذا تعطشت شهيتك إلى كلام الحزب ورغباته، فهو يلبيها ويملأها ويستفيضها بكلام شفاف، «عادل»، عن القضاء. فها هو نوار الساحلي يقول بكل تقوى وإيمان في احتفال تأبيني في حي السلم (كأن شهر رمضان صار شهر تأبين جماعية لضحايا الحزب في سوريا): «القضاء يقوم بواجبه (يقصد رجال الأمن الذين اعتدوا على سجناء رومية) ولكن وزيرهم، (ويقصد الوزير أشرف ريفي) «لم يستوعب أن القضاء ليس جهازاً أمنياً فهو يلقي التهم جزافاً بدون أي دليل». رائع! حزب «القضاء والقدر»، يدافع عن القضاء القادر، كأنما تسمع حواراً سوريالياً أو فانتازياً، أو تشاهد فيلماً كوميدياً. فالذين عطلوا الدولة كلها، ها هم يعلنون ثقتهم بالقضاء. كأن القضاء قطاع سياحي خاص خارج الدولة. خارج تعطيل الحكومة، والمجلس، وانتخاب رئيس للجمهورية. بل كأن القضاء، وبعد غيابه أيام الحرب سنوات، ها هو يعود بمعية الحزب، ليحكم بالعدل والقانون والقسطاط. فلنذكّر الساحلي: أين هذا «البطل الجبان الذي قتل الطيار اللبناني بمتعة شبقية عالية في سُجد، لأن مروحيته اللبنانية حلقت فوق حدود الكانتون الفارسي؟ ما اسمه؟ من أجرى معه التحقيق؟ ومن برأه؟ طبعاً قضاء «الدويلة»!

ومن ضغط على القضاة لكي يخففوا حكم العميل الإسرائيلي فايز كرم؟ فلقضاء الكانتون أسبابه الخفية التي لا تعرفها الدولة اللبنانية؟ ومن حاول إخراج ميشال سماحة من السجن بتخفيف الحكم عليه؟ ميشال سماحة الذي حُمل من سوريا (مع رأس الدولة) وعلي المملوك ترسانة متفجرات لارتكاب مجازر مذهبية في لبنان؟ ففايز كرم، عميل إسرائيل، وسماحة عميل النظام السوري، مقاومان، وممانعان، يستحقان لعمالتهما الأوسمة والتكريم ولمَ لا التقديس. وأحد عناصر حزب الله القياديين، الذي حاول اغتيال النائب بطرس حرب! كيف بُرئ؟ بح! والذي حاول قتل سمير جعجع؟ بح! ذاب في «قوانين» الحزب. أكثر: كيف خرج الذي حاول إحراق تلفزيون الجديد؟ أين هو؟ (يقال أنه استشهد دفاعاً عن مقام السيدة زينب في سوريا!). ولأن قضاء الكانتون يجعل من القتلة قديسين وأولياء، فها هو الحزب يحمي المتهمين الخمسة باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ فالمحكمة الدولية بلا قضاء، ولا قضاة، ولا قوانين، ولا شرعية: بل أداة في يد أميركا وإسرائيل. والحزب يكره كل من هم أداة. (باعتباره ليس أداة إيرانية في لبنان). وكيف حاكم «القضاء» غستابو الحزب الذي خطف الفتاتين من آل شمص وزجّهما في السجن وماذا نقول عن «أبطال» 7 أيار، الذين احتلوا الوسط التجاري، وعطلوا المؤسسات وقطعوا الأرزاق، وقتلوا عشرات اللبنانيين، وأحرقوا تلفزيون «المستقبل» وجريدة «المستقبل». قضاء الحزب الذي لا يخلط بين السياسة والقانون، كلّلهم بغار «اليوم المجيد» وتوّجهم بالنصر المبين… وكافأ بعضهم بتعيينهم وزراء! اقتلوا تترقّوا في المسؤولية وفي المقاومة. وأخيراً وليس آخراً «فرق الإرهاب» التابعة لحزب الكانتون التي أغارت على السعديات قبل أيام، ارتكبت ما ارتكبت، لأنها ملتزمة قوانين الدولة والقضاء؟ والحزب الذي يمسك بقرار الحرب والسلم، وبحرية المشاركة في حروب الخارج، خاضع للدولة وللقانون، أم أنه يتلقى الأوامر من دول أخرى؟ والذين حاصروا السرايا وهددوا بإحراقها، أكانوا يمارسون نضالهم دفاعاً عن العدالة؟

إذاً، إذا كان عليك أن تبحث عن قوة حزبية تحترم المؤسسات القائمة، والشرائع المنصوص عليها في القوانين، فما عليك إلاّ أن تسمي هذا الحزب، والصحافة الكانتونية المرتبطة به.

 

[ انتصارات بلا حدود

لكن كل هذه «الأهليليجيات» ومنهجية تدمير كل شيء في البلد، وصولاً إلى الاقتصاد، يلفّها هذا الغبار اللفظي بالانتصارات. فهو الحزب الوحيد في العالم الذي يعلن انتصاره قبل المعركة، ويؤكده بعد هزيمته. يؤبن ضحاياه في سوريا، ليشهد على انتصاره. يهزم في كل سوريا، ويتبجح بفوزه المبين (الإلهي أوعى تنسى). يخسر الانتخابات ويتصرف كأنه ربحها. انتصارات «كل يوم انتصار»، ومن وين بدنا نلحقلك يا حزب سليماني انتصارات متلاحقة! حتى المعارك التي لم يخضها ينتصر فيها. وحتى المعارك التي لن يخوضها يعتبرها انتصارات. حتى القتل هو انتصار. وتصنيع الكبتاغون وتوزيع الأدوية المزورة واللحوم الفاسدة، وتبييض الأموال، ومصادرة مشاعات الجنوب وتزوير أوراقها، انتصارات. حتى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وتعطيل الحكومة ومجلس النواب، والقضاء، وتعطيل المواسم السياحية، كلها انتصارات على انتصارات، حتى تخالها تتزاحم، وتتضارب، لا تميز بينها وبين ارتكاب جريمة، أو حماية قاتل، أو تبرئة تجار مخدرات (أين هم الذين زوّروا الأدوية؟ والذين استوردوا اللحوم الفاسدة؟) نعم! عند رحمة أربابهم ذوي الرحمة والإيمان بالله القدير على كل شيء!

إنه الحزب الذي لا يتعلم لا من دروس الماضي، ولا من عبر الحاضر. إنه الحزب الجامد في أبدية خرابه. مقتنع بدوره، بل مؤمن به، لأن لبنان وشعبه وحدوده وأرضه ودولته خارج حسابات حزب سليماني!

عليك فقط أن تصفق لانتصاراته الوهمية لكي لا يدرجك في خانة العملاء!

(المستقبل)

السابق
بعد 75 عامًا على زواجهما توفيا بأحضان بعضهما البعض
التالي
العثور فجراً على محمود محمد خضر العاصي (9 أعوام) مقتولاً في أحراج بشامون