شهر رمضان الكريم: كفاكم تشويها لذاكرتنا الجميلة

مدفع
بقي شهر رمضان في ذاكرتنا مناسبة فيها الكثير من المعاني والعادات العظيمة ويحمل معه موروثات شعبية جميلة، عشقناها وننتظرها منذ طفولتنا وتعني لنا الكثير. لكن ماذا تبقى من هذا الشهر الكريم سوى الاستغلال للاستهلاك والتجارة؟

على الرغم من أن جوّ بيتنا لم يكن يوماً متديناً، الا أنّنا كنّا نعيش في هذا الشهر أجواءه المختلفة، فنجتمع في وقت الافطار، ننتظر السحور، نقضي أيامه ولياليه كأنّه عيد نحتفل به كل عام طوال شهر كامل.

كان المسحراتي، أو “المسحر”، كما يسمّونه في بلدتنا، شخصية طيبة محبوبة ينتظرها أبناء البلدة كلّ ليلة. يدور في الحارات بصوت جميل وطبلة صغيرة بحجم يديه، دون حاجة الى مكبرات وطبول، ينشد بعض الدعاء وقليلا من كلمات تشبه الشعر، يليها ضربات على طبلته تضيف إلى ليلنا الهادئ نغمة وايقاعاً جميلين. أحياناً يطرق باب أحدهم بهدوء، أو ينادي: “يا أبو فلان، وحدوا الله”، أو: “يا حاج فلان قوموا على سحوركم”. فهو ابن البلدة ويعرف الجميع.

اليوم صار شهر رمضان موسماً للتسوق، موسمأ للتجارة والاستغلال، والمسلسلات التلفزيونية.

بدأت هذه العادات تندثر شيئا فشيئا حتى أضحت، إذا صحّ التعبير، موضع إزعاج وإساءة على حدّ سوا. فصار رمضان شهراً للتسويق المبتذل، لا يمت بصلة إلى عادات هذا الشهر. بات هناك عادات لا يقبلها دين ولا تقبلها الحداثة ولا التمدّن. وتبدلت ذكرياتنا الحلوة بيوميات لا تطاق.

رمضان الضاحية

في حيّنا بدوحة عرمون جنوب بيروت يطوف في كلّ ليلة “بيك آب”، حاملا في صندوقه مكبّرات للصوت تصلح لإحياء مهرجان كبير. يقف هذا البيك آب تحت كلّ بناية من بنايات الحي، لا يترك شارعاً أو زاروبا الا ويزوره رافعاً صوت مكبراته الى حدّه الأقصى. يجلس في وسط صندوقه بضع شباب يحملون عصياً يضربون بها على طبلة كبيرة يتجاوز قطرها المتر تقريبا، ويصرخون في مكبّرات الصوت بكلمات غير مفهومة.

لا أبالغ في القول إنّ هذا “المسحّر”، كما يدّعي، يدخل حيّنا بما يشبه الزلزال. فنستيقظ مذعورين موهولين، ليبدأ بعدها صراخ أطفال الحي جميعاً، يجهشون في البكاء من شدّة الخوف. حالة من الهستيريا تنتابنا وترافق أصوات هذه الشاحنة المحمّلة بجوقة تطلق على نفسها اسم “المسحّراتي”. ثم تغادر الشاحنة ويظلّ صوتها مسموعاً مهما ابتعدت. ويبقى صوت الطبل يهزّنا ويهزّ كل الابنية طالما هي تتجوّل في أنحاء المنطقة، لنحو ساعة تقريباً.

هكذا صار شهر رمضان، موسماً للتسوّق، للتجارة والاستغلال، للمسلسلات التلفزيونية، للمطاعم والسهر، وكلها لهدف واحد هو التجارة وجمع المال.

فكفاكم تشويهاً لذاكرتنا الجميلة.

السابق
وزارة الخارجية الاميركية تندد باعتداء النصرة على الدروز في إدلب
التالي
ايران وقطر تسعيان الى تحسين العلاقات بينهما رغم الخلافات