ندخل بعد ايام قليلة الى قاعات الامتحانات الرسمية في لبنان.. بعد عام دراسي كان هادئا نسبيّا مقارنة بالعام الفائت الذي ذكرّنا بأيام الحرب الاهليّة اللبنانيّة حيث الفوضى والضياع والخلل، بالإضافة الى التسيّب في القرارات الرسمية فيما يخص الامتحانات الرسمية التي ضربت الشهادة اللبنانية في سمعتها.
لأكثر من 24 عاما على توّقف الحرب وتوّقف الهدنة التربوية لعدد من الاهالي الذين كانوا قد نسوا مآسي الحرب.. عادوا ليتسلموا، هم وأولادهم، إفادات رسميّة رفّعت اولادهم جميعا صفا الى مرحلة جديدة اتكالا على النتائج المدرسية، التي غالبا ما تكون اشارة الى مستوى تحصيل الطالب خلال العام.
ومع هذا فقد كانت الافادات هي الحلّ الوحيد بسبب تعنّت الهيئات النقابية والوزارة ومجلس النواب تجاه مطالب الاساتذة حيث كان التحديّ هو الاساس بين مختلف القوى وكان الطلاب هم الضحية طبعا.
ولا تزال قصص الغش منذ زمن بعيد هي الهاجس الوحيد للطلاب الذين يلجأون الى التفكير باعتمادها نتيجة الرعب الذي يتملّكهم مع انطلاقة كل عام دراسي، خاصة لمن هم مؤهلون لخوض الامتحانات الرسمية في كل من صفوف الرابع متوسط (البريفيه) وصفوف الثالث ثانوي، وصفوف القسم المهني.
واليوم تستعد (ف.ف)، من احدى الثانويات الكبرى ذات التوجه الديني، لخوض هذه التجربة الجديدة عليها كليّا بحال من الدرس المتواصل نتيجة ضغط الاهل والاقارب والمدرسة، مما يُدخل التوتر على تفكيرها كفتاة صغيرة ابنة الاربعة عشر عاما، بحيث يبدو واجبا عليها امام كل عمل تقوم به ان يكون ذا صلة بالامتحانات ولو كان متعلقا بالطعام مثلا.. فمجرد اطالة وقت تناول الطعام يعتبر اهلها انها تضيّع الوقت. “هو الرعب النفسي”، كما يقول أحد الاخصائيين النفسيين.
هذا الرعب التربوي يدفع الطلاب الى التفكير بالغش، فينقلون الطرائق والاساليب الحديثة التي لم تكن مستعملة سابقا في عملية تطويرية متناسقة مع كل تطوير يلحق بحياتنا كبشر.
ولا يقتصر الغش على الكبار وغير الملتزمين دينيا، بل هو وباء يجتاحنا جميعنا، على ما يبدو، حيث وصل الى كافة صنوف ودرجات مجتمعنا اللبناني.
ومن هذه الأساليب الجديدة التي نقلتها (ف. ف) من خلال بعض الطالبات، وأجمعت عليها رفيقاتها واللاتي تعتمدنها خلال الامتحان:
1- وضع الورقة بـ(آركarc) الحجاب، فيبدو الامر وكأنهن يصلحن حجابهن خلال الامتحان.
2- يكتبن الكلمات على بناطلينهن فيرفعن الشرعي تحت الطاولة الى أعلى.
3- يحضرن معهن تحت الزنود، وهي عبارة عن (أكمام قصيرة خاصة بالمحجبات) أوراق (روشتات) فيرفعن هذه الزنود بحجة انهن يحككن أيديهن.
4- يحملن اوراقا كالتي توزع في الامتحان والتي تحتوي الحلول، ويدعيّن انها اوراق غير صالحة أو ما يُعرف بـ(NOIR).
5- يضعن (الروشتات) داخل الجوارب، وينقلن منها بحجة انهن يسوييّن (تظبيط) أحذيتهن.
6- يكتبن على أيديهن الاجابات التي يردن نقلها، ويأخذن بنقلها دون أن ينتبه المراقب لذلك.
7- يعلقن اوراقا تحت الطاولة ويسحبنها كلما ارادت الواحدة منهن نقل المعلومات.
8- يكتبن على طيات الايشارب والمريول بخط صغير، وينقلن الاجابات بهدوء.
9- يدخلن على الالة الحاسبة او “الآيباد” او “التلفون” المعلومات الممكن ان يطرحها الاستاذ، ويضعن الاجابات على الشاشات في ملفات معينة.
من فن الغش أن بعض المحجّبات يبدأن بوضع الورقة بـ(آركarc) الحجاب، فيبدو الامر وكأنهن يصلحن حجابهن خلال الامتحان
10- يضعن سماعات الهاتف الخليوي اي “ear phone” في الأُذنين، ويكون على الخط احد اقاربهن الذي يساعدهن بنقل الاجابات.
11- تصوير الاسئلة عبر الواتساب ليساعدهن الاهل على السرقة من خلال التقنيات الحديثة تلك.
ومن منا لا يتذكر الحادثة الشهيرة التي ساعد خلالها الاهل في مدرسة هندية أولادهم على الغشّ بطريقة فاضحة جدا، وبعلم الادارات الرسمية الهندية!
كانت الافادات هي الحلّ الوحيد بسبب تعنّت الهيئات النقابية والوزارة ومجلس النواب تجاه مطالب الاساتذة
كل هذه الاساليب وغيرها الكثير، لا يمكن ان تنسينا الاساليب القديمة والتي نادرا ما نجد طالبا ما لم يلجأ اليها.
فهل السبب هو الخوف الذي يعيشه الطالب طيلة العام الدراسي ام ان الخلل في العملية التربوية؟ ام الاساليب التعليمية التقليدية حيث الحفظ الذي يطلق عليه لقب “البصم”، والتلقين هما الاساليب المعتمدة في المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في لبنان والعالم العربي الى اليوم؟