سياقات معركة القلمون واحتمالاتها المستقبليّة: جاء دور عرسال

القلمون

لقد بدا نصرالله راضياً خلال كلمته المتلفزة مساء السبت 16 أيار، عن المرحلة التي بلغتها “معركة القلمون” على الحدود الشمالية الشرقيّة للبنان: فهي قد أبعدت الخطر عن البلدات السوريّة ـ حسب قوله ـ مثل الجبّة ورأس المعرّة، كما أنها أبعدت هذا الخطر عن البلدات اللبنانيّة: بدءاً من بريتال وبعلبك وصولاً إلى نحلة ويونين..
وأمّنت التواصل بين الداخل السوري وبين قوات حزب الله في الجانب اللبناني المحاذية لهذه القرى.
التخلّص الكلّي من هذا الخطر ـ ودائماً حسب نصرالله ـ يكون في الإنهاء الكامل لتواجد مسلّحي المعارضة السوريّة في هذه المنطقة، وبالتحديد في جرود عرسال، وصولاً إلى جرود القاع في أقصى الشمال الشرقي في لبنان.
المطلوب من الجيش اللبناني القيام بمسؤولياته، في التخلّص من احتلال هؤلاء المسلّحين للأراضي اللبنانيّة، والذين يتم وسمهم بالإرهابيين لبنانياً ودولياً..
أما إذا لم يقم الجيش اللبناني بهذا “الواجب”، فإنّ أهالي منطقة بعلبك ـ الهرمل، الذين لم يقبلوا بوجود الخطر الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، فذهبوا لمقاتلته هناك، سوف لن يقبلوا بوجود خطر المسلّحين على تخوم بلداتهم، وبالتالي سيقومون بواجبهم في مواجهة هذا الخطر.
ومتى يزول هذا الخطر كلّياً؟
يرى نصرالله بأن ذلك سيكون بإنهاء هذا الوجود المسلّح بالكامل داخل الحدود اللبنانيّة.
وما لم يقله نصرالله، قاله بعض الصحافيين المقرّبين من حزب الله. فبعد الانتهاء من معركة القلمون، ستأتي معركة عرسال، وبالتحديد معركة مخيمات النازحين السوريين في عرسال .. (ربما في مرحلةٍ أولى).
هذا في التفاصيل..
إذا حاولنا وضع هذا الكلام في إطار استراتيجي يرتبط بما يتمّ تداوله من خرائط جديدة للمنطقة ولسوريا، ماذا يمكن أن نلاحظ؟
ضمن ما يُحكى عن هذه الخرائط الجديدة، هي دولة تمتد من دمشق، مروراً بالشريط القلموني وحمص، وصولاً إلى طرطوس والساحل السوري.
إذا لم يستطع النظام السوري المحافظة على الكيان السوري وحكمه بالكامل، فإن الدويلة ستكون البديل المتاح، بما يؤمّنه ذلك من موطئ قدم لإيران وروسيا على ساحل المتوسط، وبما يؤمّن التواصل بين مناطق حزب الله وبين هذا الكيان الجديد المحكوم من “الحلفاء”..
بالعودة إلى بدايات المعارك في هذه المنطقة، نرى أن حزب الله كان المساهم الأساسي فيها: بدءاً من معركة القصير، “تحريرها” وتجريفها، إلى تدمير بعض أحياء حمص وما حكيَ عن إحراق للسجلات فيها وإجراء تغييرات ديموغرافية.. إلى خوض معركة كامل القرى الممتدّة على الشريط الواصل بين حمص ودمشق: من حسيّة ودير عطيّة والنبك وقارة وجراجير وفليطا ويبرود ورأس المعرّة والجبّة وتهجير أهلها .. وصولاً إلى تخوم الخط الدولي الواصل بين دمشق وبيروت.
ما يقابل هذه القرى في الجانب السوري، هي قرى وبلدات مؤيّدة لحزب الله في الجانب اللبناني.. باستثناء عرسال الواقعة في منتصف المسافة، والمحاذية جرودُها لجرود العديد من البلدات السوريّة في منطقة القلمون.
إن أي تحوّل مستقبلي لصالح مسلّحي المعارضة السوريّة سيشكّل تهديداً وخطراً في ثلاث نقاطٍ:
ـ أولها، تهديد الشريان الرابط بين دمشق وبيروت في منطقة المصنع وجديدة يابوس..
ـ ثانيها، تهديد الخط الرابط بين دمشق وحمص.
ـ وثالثها، تهديد العاصمة السوريّة من الجهة الشماليّة الغربية.
وأي تهديد من هذه التهديدات الثلاث يشكّل تهديداً لهذا المشروع الاستراتيجي الذي يحكى عنه (إذا صحّ الكلام عن هذا المشروع)، وفي كلّ الأحوال يشكل تهديداً جدّياً لحزب الله وحلفائه.
إذا صحّت هذه المقدّمات، ماذا ستكون أولويّات حزب الله في المرحلة القادمة؟
أظن أن الأولويّة الأولى ستكون في محاولة التخلّص النهائي من وجود مسلّحي المعارضة السوريّة في جرود عرسال والجرود السورية المحاذية.. وربما سيسعى من أجل ذلك لإقحام الجيش اللبناني في هذه المعركة، وهو ما ساق له نصرالله التبريرات الكثيرة.. أو بمحاولة التخلّص من وجود هؤلاء المسلّحين من خلال صفقة تؤدي إلى انتقالهم إلى أماكن أخرى في الداخل السوري.
ـ الأولويّة الثانية ستكون في التخلّص من مخيّمات النازحين السوريين في عرسال، والذين يقدَّرون بحوالي المائة ألف نسمة، ويشكّلون عبئاً كبيراً، إن من ناحية قدرتهم الدائمة على مدّ المسلّحين بالمقاتلين، أو من ناحية ما يشكلّه وجودهم الدائم من تغيير في ديموغرافية هذه المنطقة الموالية بغالبيتها المطلقة لحزب الله، أو من ناحية ثالثة ما تشكّله عودتهم إلى قراهم الأصلية من تهديد محتمل باستمرار لخط الوصل بين دمشق وحمص الذي تمّ الحديث عنه..
لذلك فربما كان ما يناسب حزب الله هو نقلهم باتجاه الداخل اللبناني بعيداً عن هذه المنطقة الحيويّة.. أو في حدوث احتكاكات ومشاكل بينهم وبين أهالي عرسال..
ـ الأولويّة الثالثة، والأكثر تعقيداً، هي في وجود عرسال نفسها، بما تمثّله من كتلةٍ بشريّة كبيرة ومتجانسة ومعادية لتوجّهات حزب الله.. وهذا الأمر يشكّل خطورة كبيرة بما تحمله من احتمال حصول مشاكل بين أهالي عرسال وبين جيرانهم.. وهذا ما تم تحاشيه حتى اللحظة، ربما لما يحمله هذا الأمر من خطورة شديدة على الأمن في البلد بشكل كامل، والذي يبدو أن هناك نوعاً من الإجماع المحلّي والإقليمي والدولي على عدم الوصول إليه..
هذه الاحتمالات الثلاث، يمكن لها أن تتداخل، كما يمكن لها أن تتأثر بالكثير مما يحصل في المنطقة وبخاصةٍ في الداخل السوري.
هل يمكن أن يكون كل هذا الكلام نوعاً من التمرين الذهني والأوهام؟ وبأن جلّ ما يسعى إليه حزب الله هو “إبعاد الخطر” عن القرى المؤيّدة له؟
أتمنّى أن يكون ذلك. لكن وضع حزب الله نفسه بتصرّف المشروع الإيراني الذي يبدأ من لبنان وسوريا والعراق ولا ينتهي في اليمن يدعو إلى أن نبحث عمّا تريده إيران، وهذا هو سبب القراءة المتشائمة.
(الفيسبوك)

السابق
أحذية نسائية …برسم العنف الزوجي
التالي
الجيش اللبناني يقصف جرود عرسال