هكذا أصدرنا مجلة «نداء الأنصار» وتحدينا السجان في المعتقل

معتقل
«نداء الأنصار» هي المجلة التي كنت جزء من فريق عملها، بين نظرات علي فاعور الحادة وصاحب الفكرة، وصمت فرج فوعاني وطيبة ديب الجسيم أنجزنا هذا العمل بطريقة سرية. فقد تضمنت «نداء الأنصار» على مقالات وتحاليل سياسية عن ما يحصل في الخارج، مقالات حول الحياة في المعتقل، قصص قصيرة وقصائد شعرية.

في ربيع العام 1983 كانت الأسلاك الشائكة الداخلية بين المعسكرات قد تحطّمت ودهست بالأرجل، فتحوّل المعتقل إلى قفص كبير بعد أن كان مقسماً إلى عشرين معسكراً.

الأسلاك الشائكة التي تحيط بالمعتقل من جهة الخارج حافظت على وجودها بقوّة الرصاص والبنادق والملالات. حينها أصبح التنقّل بين المعسكرات في الداخل عملية سهلة وآمنة.
عندما أحضروا فرج فوعاني إلى معسكر رقم 11 ذهبت من معسكري القريب لزيارته،كانت تربطني به علاقة معرفة عادية، كنّا قد تشاركنا موقع عسكري تابع للحزب في الشمال لمدّة أربعين يوماً.
واجهني بابتسامة صغيرة عندما سألته عن ما يجري في الخارج. أجاب على أسئلتي بشكل مقتضب وحذر. كان في يده قلم وعلى ركبته قطعة من قماش الخيمة، يرسم يدين حطمتا قيداً حديدياً.

سألني عن المعتقل والحياة فيه، أذكر بأنني أجبته: “لقد أتوا بك ولحسن حظك الآن… نحن في العصر الذهبي بالمقارنة مع ما كان حال المعسكر قبل عدّة أشهر”!
كان “علي فاعور” في المعسكر المقابل لمعسكر 11 (أظن أنه رقم 7) قد فكّر بعمل كبير، أرسل يطلب منّي الحضور إلى معسكره. قصدت خيمته وعرّفته عن نفسي “رغم أننا كنّا قد التقينا من قبل في مركز جرجوع”. أذكر أنه قال لي: “لم أتوقّع بأنّك بهذا السنّ الصغير، على كل حال أدخل “!
في إحدى زوايا الخيمة كان قد نشر غطاء من الصوف لحجب الرؤية عن زائري الخيمة، تحت حجّة رغبته بالانفراد الدائم. أدخلني إلى هناك حيث كان فرج فوعاني بالانتظار.
قال فاعور لنا “نملك أقلاماً ودفاتر بيضاء، سنصدر “النداء” هنا في داخل المعتقل، نعم سنفعلها! العمل يجب أن يكون بغاية السرّية، لو عرف الجنود بعملنا سيأخذون بنا إلى الزنازين، بل إلى الجحيم…

أنت يا فرج عليك بالرسم على الغلاف، وفي الداخل إذا أردت. أمّا أنت – وأشار علي – عليك القيام بعملية نسخ المقالات والنصوص التي سأحضرها لك” !
بدأ العمل الصعب، فرج فوعاني يرسم وأنا أنسخ ما يحضره لي رفيقنا علي.
كنّا ننجز عدداً لنقوم بنسخه عدة مرات من أجل توزيعه على المعسكرات، تضمّنت المقالات تحاليل سياسية عن ما يحصل في الخارج، عمليات جبهة المقاومة التي كانت قد اشتدت وتكثفت في صيدا وإقليم الخروب والجنوب وعاليه، والتي كنّا نستقي أخبارها من القادمين الجدد، مقالات حول الحياة في المعتقل، قصص قصيرة وقصائد شعرية.
كنت وفرج نادراً ما نتكلّم، في مخبئنا ثمة مهمّة حزبية خطيرة، إصدار “نداء أنصار” في داخل معتقل اسرائيلي عمل سيفتخر به حزبنا فيما بعد.

وراء صمت فرج الدائم ثمة إصرار على إنجاز المهمّة، أصدرنا عدة أعداد وصل البعض منها بعد تحريرنا إلى يد جورج حاوي، الذي بدوره أهدى عدداً منها إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي حينها (هذه المعلومة نشرت في إحدى أعداد مجلة الأخبار الأسبوعية والتي كانت تصدر بلسان الحزب).

أحد الأعداد يعرضه سنوياً إتحاد الشباب الديمقراطي خلال إحتفاله بذكرى انطلاقة “جمّول” في بيروت. العدد التي احتفظت به ضاع في منزلنا في جرجوع بعد سفري إلى الخارج للدراسة.
بين نظرات علي فاعور الحادة وصمت فرج فوعاني وطيبة ديب الجسيم أنجزنا هذا العمل، كلّ نسخة كانت تكلّفنا يوماً كاملاً من العمل في تلك الزاوية وراء ذلك الستار.
مات علي فاعور منذ حوالي السنة، علي فاعور الذي استطاع في داخل المعتقل أن ينجز شيئين أقرب إلى الإستحالة: منطقية معتقل أنصار في الحزب الشيوعي اللبناني وجريدة “نداء أنصار”.
فرج فوعاني، قاهر الاسرائيليين استشهد بعد إنجازه المئات من العمليات النوعية،ديب الجسيم اغتيل برصاص أسود بعد خروجه من المعتقل.

كلّ الورود الحمر لهم.

السابق
لم يكن ضعيفا ومهزوما هكذا من قبل
التالي
الشيخ عبدالله نعمة وانطلاق فكرة «التشيع» المبكرة