هل هو تحالف سعودي تركي؟

السعودية وتركيا

بدا التقارب السعودي التركي مختلفاً هذه المرّة لجهة ترتيب الأولويات والانطلاق من نقاط التوافق، وهي كثيرة وتأجيل أو تنظيم نقاط الاختلاف، وهي قليلة مع تشابه أو تطابق في فهم واقع المنطقة وتبدلاتها وتحديد الأخطار المشتركة التي يواجهها البلدين والمنطقة بشكل عام.

نظرت الرياض بحذر إلى الانفتاح التركي على المنطقة في العقد الأخير، وهي تعاطت بحذر أيضاً مع تجربة حزب العدالة والتنمية كونه حزب محافظ ذي جذور أو قاعدة إسلامية، ولكن في بلد ديموقراطي يعتمد تداول السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وازداد التوجس أو القلق السعودي مع النظر إلى تركيا كنموذج أو على الأقل كتجربة تستحق الاهتمام والمتابعة والاستفادة منها في حل أزمات ومشاكل العالم العربي.
تعمّق الحذر أو التباين بين البلدين مع اندلاع الثورات العربية، التي دعمتها أنقرة بدون تحفظ مع الدعوة إلى إشراك الأحزاب الإسلامية في الحياة السياسية، وإعطاء الحكم أو الكلمة الفصل للناس، للشعب أو الشعوب في انتخابات حرّة ونزيهة قائمة أساساً على توافق وطني، وفي أجواء سلمية بعيداً عن العنف.
الرياض بخلفيتها الدينية المحافظة أيضاً نظرت إلى الثورات بتوجس كونها هدمت الوضع القائم الذي كان سائداً، وتعايشت معه بشكل جيد حسب رؤاها ومصالحها، وازاداد التوجس مع وصول تيار الإسلام السياسي إلى السلطة، والتخوّف من طرح نموذج سياسي إسلامي ديموقراطي قد يعمّ أو يشمل المنطقة برمتها.
ورغم التوافق في قضايا مركزية ومهمة مثل سورية، وحتى العراق، وأخيراً اليمن؛ إلا أن الخلاف حول التبدلات والتحولات في مصر أثرت وبشكل جوهري على العلاقة أو بالأحرى التباعد بين البلدين.
دعمت تركيا العملية السياسية والديموقراطية، ورغم الأخطاء بل الخطايا الكبرى التي ارتكبها الإخوان المسلمون خلال عام من حكمهم، إلاّ أن أنقرة دعمت دائماً المسار الديموقراطي، ودعت لحل أو حسم الخلافات بطريقة سلمية ديموقراطية ودستورية.
أما السعودية التي نظرت إلى الثورات بقلق، وازداد قلقها بعد وصول الإخوان – المتعجل وغير المدروس للسلطة – فدعمت وبدون تحفظ الانقلاب – المدعوم شعبياً – الذي قاده الجنرال السيسي في 3 تموز/يوليو 2013 مع التأكيد طبعاً على شرعية مطلب، بل مطالب الموجة الثورية في 30 حزيران، علماً أن تعاطي مختلف للرياض كان ليكفل الوصول إلى مخرج أو تسوية وفق روح خريطة الطريق نفسها التي أعلنت في التاريخ نفسه وتم انتهاكها نصاً وروحاً فيما بعد.
بعد الانقلاب تبنت رياض عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – أو رياض تويجري – بندر نظرية استئصال الإخوان وتيار الإسلام السياسي من المشهد الإقليمي، ودعمت الثورة بل الثورات المضادة في العالم العربي وأعلنت الإخوان كجماعة إرهابية وخطر مركزي، ليس في مصر فقط بل في المنطقة بشكل عام.
.تزامنت الانتكاسة في اليمن مع تدخل القدر بوفاة الملك عبد الله ولم تستغرق القيادة السعودية الجديدة طويلاً لاستخلاص العبر والقطع مع فكرة الإخوان كخطر استراتيجي، بل على العكس اعتبارهم مجرد فصيل أو تيار سياسي في المشهد الحزبي الأقليمي، واعتبار التوسع أو التوغّل الإيراني هو الخطر المركزي – إضافة إلى داعش طبعاً بوصفها تشوية للعرب والإسلام معاً – مع نزوع أوباما للانكفاء وعدم الممانعة في تسليم المنطقة للممانعين الجدد، وطبعاً على حساب المصالح العربية الإسلامية الأخرى.
تمركزت المنطلقات أو القناعات السعودية الجديدة في الخطاب السياسي التركي طوال الوقت، ولذلك لم يكن مفاجئاً أن يكون الرئيس أردوغان أول الواصلين للمشاركة في جنازة الملك السعودى الراحل، كما من أوائل الزعماء الأجانب الذين زاروا االرياض بعد التغيير القيادي فيها مع ترجيح أن تكون أنقرة أول أو من أوائل العواصم التي سيزورها الملك سلمان بن عبد العزيز.
وبحسب مصادر سعودية وتركية متطابقة، وحسب مجريات الأمور على أرض الواقع فقد جرى بناء العلاقة على أرضية أو قناعات مشتركة صلبة، وتم التوافق على تغليب أو إعطاء الأولوية لنقاط التوافق، وهي كثيرة وتأخير أو تأجيل نقاط الخلاف، وهي قليلة وتكاد تقتصر على الملف المصري مع الانتباه طبعاً إلى مركزيته وأهميته وتأثيراته على الملفات الأخرى.
وهكذا جرى التوافق على زيادة التعاون الاقتصادي والاستثمارات المشتركة بين البلدين، ويتم الحديث عن رصد الرياض 600 مبلغ مليار دولار للاستثمار في تركيا، وحتى لو كان الرقم مبالغ فيه إلاّ أن الأهم ما حصل إعطاء الضوء الأخضر لرجال الأعمال السعوديين للاستثمار في تركيا، كما لتشجيع سوق الساحة السعودية على الانفتاح مرة أخرى تجاه أسطنبول أزمير وأنطاليا، وكل ذلك تحت سقف مجلس استراتيجي أعلى سيتولى رسم السياسات والإشراف على تنفيذها بمشاركة فعلة وناشطة من القطاع الخاص.
الأمر لا يقتصر على الاقتصاد. فالأحد الماضي 12 – نيسان – استقبل وزير الدفاع السعودي مسؤول الصناعات الدفاعية في وزارة الدفاع التركية الذي قام بزيارة لافتة للرياض لمناقشة تكثيف التعاون الأمني والعسكري، وصولاً إلى معاهدة أو اتفاق للتعاون الاستراتيجي ستتضمن حتماً تبادل الخبرات والتدريب المشترك، وربما إمكانية نشر قوات مشتركة في أي من البلدين، كما جرى في اتفاقية مشابهة مع قطر.
أما سياسياً، فقد تم ترتيب الأولويات وفق المعطيات والقناعات السياسية السالفة الذكر، مع توافق واضح في اليمن العراق سورية فلسطين وحتى ليبيا، وخلاف أو تباين فقط تجاه مصر، التي تم تأجيل ملفها إلى مرحلة لاحقة.
وبتفصبيل أكثر جرى التوافق على دعم العملية الدستورية والسياسية في اليمن كأولوية سعودية راهنة، ورفض الانقلاب الحوثي مع دعم واضح من قبل أنقرة لعاصفة الحزم التي كانت آخر العلاج سياسياً، وحتى أمنياً ولوجستياً ولكن دون التدخل المباشر أقله في المدى المنظور، ولكن مع موقف حاسم وقاطع لتركيا بالدفاع عن أمن المملكة ضد أي تهديد خارجي.
أما في سورية التي تعتبر أولوية تركية فالتوافق حاصل وكبير ويتضمن استبعاد بشار الأسد من أي حلّ سياسي، ودعم المعارضة المعتدلة بما في ذلك الإسلاميين طبعاً لتغيير الموزاين على القوى، كما لمنع بشار من الاستفادة من الحرب الأممية ضد داعش مع تأييد سعودي لمطالب أنقرة بإقامة منطقة آمنة على الحدود المشتركة كما منطقة حظر جوي وانفتاح أو توافق مبدئي على التعاون الجدي وتسريع الحل السياسي وفق وثيقة جنيف نصاً وروحاً.
تسعى أنقرة لجذب أو عودة الرياض إلى الملف العراقي من أجل ملء الفراغ، ومنع إيران من الهيمنة على البلد أو تحويله لجزء من أمبراطوريتها، والبداية من معركة الموصل التى قامت أنقرة بالتحضير لها عبر دعم قوات البشمركة وعشائر عربية بالسلاح والتدريب بمساعدة نشطة من الأردن، واستبعاد لميليشيا الحشد الشعبي وحضور ما للحكومة العراقية من أجل دحر داعش وخلق واقع سياسي جديد يكفل توافق القوى العراقية بشكل ندّي ومتساوي على قاعدة القطع مع الذهنية الطائفية التي اعتمدها نوري المالكي، وبالتأكيد ملء الفراغ الحاصل ومنع إيران من الهيمنة على بغداد سياسياً اقتصادياً وعسكرياً بحجة محاربة داعش.
طبعا التوافق حاضر كذلك في ملفي فلسطين وليبيا لجهة تغليب الحلول السياسية التوافقية، ومنع الحلول العسكرية أو الاقصائية والتعاطى مع الإخوان والتيار الإسلامي، عموماً كتيار مهم في الساحة السياسية كبقية التيارات الوطنية القومية واليسارية الأخرى.
نقطة الخلاف المركزية في العلاقات التركية السعودية تتمثل بمصر، وما جرى فيها منذ انقلاب تموز يوليو ومع ذلك جرى تنظيم الخلاف وتأجيله إلى مرحلة لاحقة، مع إشارات واضحة من الرياض عن التصالح مع الإخوان ورعاية تسوية وطنية تكفل الخروج من المأزق الداخلي الراهن بأبعاده المختلفة، وانخراط مصر في التحالف الجديد بكل قوتها وبدون تاتاة أو تردد ليس في اليمن فقط، وإنما في العراق سورية فلسطين وليبيا أيضاً.
في الأخير وباختصار نحن أمام تحالف عربي إسلامي جديد ومتنوع عماده الرياض وأنقرة، ولكنه سيضم دول وقوى عربية وإسلامية عديدة، وهو سيسعى بكل ما أوتي من قوة لملء الفراغ الذي تركه انكفاء أوباما البارد والقاسي واللئيم مع التعاطي مع إيران كدولة جارة نرتبط معها بعلاقات تاريخية ومصالح مشتركة، ولكن دون أن يعطيها ذلك الحق بالهيمنة على أربع عواصم عربية أو تأسيس امبراطورية فارسية مع بغدادنا كعاصمة لها.

السابق
ثلاث نساء مطلّقات التقين على حبّ الحياة….‎
التالي
فرنسي يخطط لتفجير كنائس