«السياسة هي فن تصوّر المستقبل

الاتفاق النووي

 

يفصلنا عن الموعد المحدد لتوقيع الاتفاق الإيراني مع 5+1 في 30 حزيران أقل من ثلاثة أشهر، ويتبارى المحلّلون في توقعاتهم بين المتفائلين منهم والمتشائمين، ويرافق هذه الفترة لهيب وغليان في المنطقة بكاملها من العراق حتى اليمن مع ارتفاع حدّة الخطاب، وهنا نتساءل ما يمكن أن يحصل إذا وُقّع في النهاية هذا الاتفاق أو لم يوقّع؟!

المفصل الأساس المطلوب في الحالتين هو موضوع رفع العقوبات بالنسبة للجانب الإيراني.
فإذا أدّت الضغوطات المختلفة إلى موافقة إيران على الرفع التدريجي للعقوبات، تكون قد استجابت لمطلب 5+1 الأساس في هذا المجال، وهذا سيفتح أمامها أبواب الاتحاد الأوروبي وانكلترا والإدارة الأميركية، ما يؤمّن حصول آلية قادرة على تأمين الاستقرار في المنطقة ويُتيح لإيران التعامل بإيجابية مع المجتمع الدولي، ناهيك عن ربط هذه الآلية ليس بالجانب المالي فقط، لكن أيضاً بالجانب التقني شبه المنجز، والذي قد تعارضه إسرائيل.
أما إذا انتهت صياغة الاتفاق النهائي إلى رفع العقوبات فوراً كما يطالب الجانب الإيراني، فإنّنا قد نشهد أحد احتمالين:
الاحتمال الأوّل: يؤدي إلى تقوية موقف الاتجاه الاصلاحي في إيران، وعلى رأسه حسن روحاني مدعوماً في رأيي من غالبية الشعب الإيراني، الذي ضاق ذرعاً بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والتضخّم الكارثي المُعاش، والذي خرج بتظاهرات عارمة وسط طهران ليلة الإعلان عن توقيع (اتفاق إطار) وبظهور نسائه حاسرات في السيارات وعلى الطرقات، عكس تظاهرات اليوم الثاني التي نُظِّمَتْ من قِبل الحرس الثوري والجناح المتشدّد، وبالتالي قد يصبح مبتغى الساسة الاصلاحيين أن يقبضوا ثمن ما دفعوه في كل من سوريا واليمن ولبنان، مكاسب سياسية للمكوّنات الموالية للسياسة الإيرانية وتوجّهاتها في المنطقة أي ان يفاوض الإيرانيون على طائف في كل من سوريا واليمن وتحسين شروطه في لبنان.
الاحتمال الثاني: أن ترتاح إيران مادياً فتكمل تصديرها للثورة، وبالتالي تنغمس هي وحلفاؤها أكثر فأكثر في وحول البلدان التي تورّطت بدعمها، وهذا في رأيي طريق مسدود، سواء أكان في سوريا التي مضى على تورطّهم فيها حوالى 4 سنوات، ولم تحقّق شيئاً سوى المزيد من الدمار والخراب والقتلى، أو في اليمن التي تشهد الآن عاصفة الحزم، أو في لبنان المضطرة بفعل مكوّنات هذا البلد الطائفية أن يكون بمقدورها فقط التعطيل وليس السيطرة عليه.
وحتى في العراق، كان حديث أوباما مع العبادي في زيارته الأخيرة، يرتكز على تحديد الجهة التي ستدعمها أميركا في الحرب ضد الارهاب، وتعني أميركا تحديداً الدولة العراقية المتوازنة في تركيبتها ومؤسّساتها وممارساتها وهذا يعني تخفيف وطأة وثقل الدور الإيراني في العراق وفي المنطقة، حتى لا يتكرّر ما مارسته حكومة المالكي التي أنتجت داعش العراق.
أي من الاحتمالين هو المُرجّح؟
في رأيي أنّ المعطيات التالية تُثقِل الاحتمال الأول وهي:
أولاً: قرار مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع الذي يعتبر انتصارا هائلا للدبلوماسية السعودية، ويشكّل نقلة نوعية في دعم مجهود عاصفة الحزم لإعادة الشرعية إلى اليمن على قاعدة خريطة الطريق الخليجية التي تبنّاها مجلس الأمن، وهذا يعني أنّ إيران وحدها مقابل العالم بأسره.
ثانياً: موقف الكونغرس الأميركي الذي يشكّل ضماناً لعدم انفراد أوباما بتحقيق أمنياته بعقد صلح أميركي – إيراني يسجّل إسمه في التاريخ تيمّناً بما فعل نيكسون مع الصين.
ثالثاً: تحرّك دي ميستورا الأخير لإحياء محادثات جنيف واستئنافها على قاعدة حل سياسي في سوريا.
كل هذه المعطيات قد تساهم في لجم طموحات إيران التي أصبحت أكثر بكثير من إمكانياتها، وهذا يذكّرني بقول ديغول في مذكراته عندما سُئل عن سبب فشل نابليون رغم إعجابه الشديد به؟، فأجاب: «حين تكون الطموحات أكبر من الإمكانيات فالفشل يصبح حتمياً».

السابق
ملف كامل عن هيكلية حزب الله (1): كيف يعمل ومن يصنع القرار؟
التالي
بين بري والسنيورة: «بليار» وغزل إباحي!