يوميات معتقل 13: ناضلنا بالبوكر والليخة.. وانتصرنا

في معسكر رقم 5 تحديناهم بحبنا للحياة، لعبنا الشطرنج والبوكر والليخة، قرأنا وكتبا، وما كان يعطينا الأمل والطمأنينة أكثر هي أخبار عمليات «جمّول» التي كانت تصل إلينا عبر رفاقنا الجدد «الملوثة أيديهم بالدم الاسرائيلي».

بعد عملية «وادي الزينة» الشهيرة وصل إلى المعتقل شباب من برجا وجوارها: محمد جميل، فهد بارود، خالد، ماجد، رامح وغيرهم… أسعفني الحظ بأن أعيش معهم تحت سقف خيمة واحدة في معسكر 20، وذلك بعد انتقالي من ال13، فهم إستطاعوا بخفّة دمهم وحكاياتهم الممتعة أن يزيحوا كماً من حزننا وتعاستنا.

جميلون هم… بمعنويات مرتفعة إلى حدود السماء، وطنيون إلى حدود لا يطأها كثيرون. المعتقل كان لهم مرحلة صغيرة من مسيرة النضال، بل نزهة حاولوا تمضيتها برمي النكات ولعب الشطرنج وسرد لذكريات «برجاوية» مع شتائم غريبة، قبل أن نفتتح مرحلة من لعب الورق.

أمّا للإثارة فقد أمضينا ساعات وساعات في لعب «البوكر»، حيث «العملة» كانت السجائر القليلة التي توّزع!

كاد النفق الأوّل ينتهي في معسكرنا عندما هاجموا معسكرنا باكراً بأسلحة وغاز وكاميرات تصوير قبل أن يشتتونا الى المعسكرات الأخرى.

إنتقلنا، أنا وهم، إلى معسكر 5، كان هذا الجزء من المعتقل يسمى بالمعسكر الأحمر. سمّاه الجنود هكذا، ليس لأنه ضمّ الكثير من الشيوعيين، بل لأنهم أحضروا إليه شباباً شاركوا في عمليات نوعية ضدّ الإسرائيليين، والتي خسروا الكثير من الدماء خلالها!

في معسكر 5 تجمّع الشيوعيون من برجا وجوارها، القرعون، جب جنين، كفرمان، حولا، صور، النبطية، جرجوع، أنصار، روم وغيرها…
معسكر صبّ الجنود عليه غضبهم، فواجهناهم بممارسة حياتنا العادية والحذر من الاحتكاك معهم بالكلام أو غيره.

هناك لعبنا الشطرنج والبوكر والليخة، قرأنا، وكتبنا خواطرنا على الورق، كذلك أحسسنا جميعاً بنوع من الأمان، حيث كانت أخبار عمليات «جمّول» تصل إلينا عن طريق الرفاق الجدد«الملوثة أيديهم بالدم الاسرائيلي»!
عند جيراننا في معسكر 8 كان ثمة نفق يحفر، كانت المعسكرات قد سادتها الفوضى، حيث حطّمت الأسلاك الشائكة الداخلية ( بين المعسكرات )، أصبح التنقّل بين المعسكرات سهلاً، وإكتفى الجنود بالحراسة من الخارج، آليات وجنود مشاة وأبراج الحراسة…

في إحدى الليالي فتح المعتقلون النفق الشهير، بدأت عملية الهروب الكبير من معسكر 8. أجزم بأنّ العملية كانت لتؤدي إلى فرار كثيرون لو أنها خضعت لعملية تنظيم مسؤولة.

نحن ساكنو رقم 5 لاحظنا الحشد قرب باب خيمة النفق، أحسسنا بأن موضوع الهروب سيكتشف سريعاً، لم نذهب للإحتشاد من أجل الهرب، أحدنا أشعل ناراً في وسط المعسكر ونادى الرفاق من أجل البدء بالغناء والدبكة، وذلك من أجل لفت نظر الحراس إلينا وإشغالهم عن الحشد.

دقائق وبدأ الرصاص، هرب من هرب وقتل الباقي في الحقل القريب…

في معسكر رقم 5 تجلّت حينها صفة «نكران الذات» عند الشيوعيين ، هناك كنّا نحن «الغالبون»!

السابق
مناقشة ضمانات اتفاق الاطار النووي الأمريكي – الايراني
التالي
حادث سير يودي بحياة الفنان عصام بريدي