مذكرات نقيب أرمني قاتل إلى جانب الجيش العثماني

في كتاب صدر حديثاً مترجماً إلى العربية عن دار «رياض الريس للكتب والنشر» بعنوان «من الدردنيل إلى فلسطين»، يروي سركيس طوروسيان (1891 - 1954) قصة حقيقية عن خمس جبهات قتال لتركيا وحلفائها شارك فيها قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة حيث نشر كتابه بالإنكليزية.

كان سركيس طوروسيان ضابطاً في الجيش العثماني برتبة نقيب، عندما انتقم من هذا الجيش، بالانقلاب عليه وثأره الدمويّ منه. وطبيعةُ هذا الانتقام وكيفيَّته، هما قوام مضمون الكتاب الصادر حديثاً تحت عنوان: “النقيب سركيس طوروسيان – من الدّردنيل إلى فلسطين”.

وهذا الكتاب هو كتاب مذكّرات (من منشورات شركة رياض الرَّيّس – بيروت – طبعة أولى 2014)، وترجمه إلى العربيّة، عبد الرحمن أياس، وقدَّم له الدكتور جوزيف كشيشيان (الزميل الأوّل في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلاميّة في الرياض في المملكة العربيّة السعوديّة)، وبالرغم من أنّه مذكراتٌ شخصيّة، للنّقيب الأرمني سركيس طوروسيان، إلاّ أن هذا الكتاب، الذي يقول عنوانه الفرعي: إنه “قصّةٌ حقيقيّة عن خمس جبهات قتالٍ لتركيا وحلفائها وقصّة حُبّ في الحرملك”، هو بدوره – ونسبة لما صدر من كُتُب عن الإبادة الأرمنيّة – سجلٌّ تاريخيٌّ بارز من سجلاّتها، فالإبادة الأرمنيّة التي ارتكبها الحزب الحاكم لتركيا العثمانيّة (تنظيم الاتحاد والتّرقّي) في العام 1915.

نجد بعض وجوهها البالغة المأساوية، طبعاً، هذا البعض المرتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بحياة صاحب هذه المذكّرات، هو الذي أجبرته تلك الإبادة عموماً، على أن ينقلب ولاؤه وإخلاصه وتفانيه، بإطلاق، لمؤسّسته العسكرية، كضابط عثمانيّ كبير، حقّق نجاحات كبيرة ولافتة، لصالح دولته في الحرب العالميّة الأولى، إلى ولاءٍ مضادّ، تمثَّل بمناصرته؛ بل بانخراطه الانتقاميّ، في الثورة العربيّة، التي قامت في فلسطين، ضدّ استبدادية السلطنة العثمانية، فـ”العرب – يقول طوروسيان – (في الصفحة 242، هم الذين مثّلوا لي أملي الأكبر بالاستقلال القومي الأرمني، كانوا أناساً أفهمهم، وكنتُ أتحدّث لغتهم، وكانت لديّ الفرصة الأكبر للاتّصال بهم”، فلقد كان التحاق طوروسيان (بصفته قائداً حربياً ذا خبرة قتاليّة، من جهة، وعارفاً، من جهة ثانية، مكامن ضعف الجيش التّركي، في تلك الأثناء) بهذه الثورة، كواحدٍ من قادتها الكبار الذين ساهموا في الهزيمة النّهائيّة للجيش العثماني في تلك الحرب. “لقد ساعدتُ في كَسْر ظهر الجيش التّركيّ، وبدأت السَّلطنة العثمانيّة ترتعد تحت عبءِ الهزيمة”، يقول طوروسيان في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: “على طريق الانتقام الدمويّ”. وهذا الكتاب بفصوله السّبعة عشر، ومتعلّقاتها، من صُوَرٍ ووثائق، كمستنداتٍ تاريخيّة دامغة، صُدِّر أيضاً بتلخيص للسِّيرة الذاتيّة لطوروسيان، وبمقدّمة النّسخة الإنكليزيّة، لهذا الكتاب والتي كتبها جون أرشيبالدماك كالوم.

ولقد جاء نصّ تقديم كشيشيان تحت عنوان: ولقد جاء نص تقديم كشيشيان تحت عنوان: «طوروسيان العرب/كيف أجبرت الإبادة الارمنية، ضابطاً عثمانياً موالياً، على مناصرة الثورة العربية». وفي هذا النص ـ الذي هو عبارة عن دراسة شاملة لهذه المذكرات، اكثر منه نص تقديم فقط ـ يقول كشيشيان: إنّ حملة مخجلة شُنّتْ من قبل مؤرخين أتراك لتشويه سمعة طوروسيان ومذكراته بعدما نشرت ترجمتها التركية في عام 2012.

ويشير كشيشيان إلى انه وعلى الرغم من ان هذا الكتاب، هو اولاً وقبل كل شيء قصة جندي موال تعرض لخيانة، وتخلى في المقابل عن أي تعهدات قدمها في شأن تأييد مبادئ السلطنة العثمانية، استمرت بطولة النقيب سركيس طوروسيان، ففيما لخصت قصة حياته، المآسي التي واجهها الارمن والولادة الجديدة التي سمحت بها القومية العربية، حولت هاتان الحقيقتان القمع الى نجاة وابدلتا بالمظالم فرصاً.

لذلك. والالتفاتة لكشيشيان كان من المفيد تقديم ترجمة لكتابه النقدي الى القارئ العربي، فيما تستعد الأمة الارمنية لإحياء الذكرى المئوية للإبادة في الـ 2015، (وهي تؤرخ رمزياً في 24 نيسان 1914) حين اعتقل المفكرون الالمع للأمة (الارمنية) وأعدموا من دون محاكمة.

ومما جاء في مقدمة كالوم للنسخة الانكليزية قوله: تعود قوة هذا الكتاب وحيويته الى واقع انه رواية عن تجربة. ويتابع كالوم: ففي هذه القصة المثيرة عن الحرب عند جبهتها الأغنى صوراً، يصف بوضوح وحركة وقائع ومغامرات جرت على مسرح ادى فيه دوراً حقيقياً ومهماً. والمؤرخون اللاحقون للحرب العظمى ـ والتنبيه لكالوم ـ حين سيتعاملون مع الجهود المجهضة في شكل مأسوي للحلفاء في الدردنيل واجتياح اللنبي التاريخي لفلسطين، سيجدون في هذا الكتاب مصدراً قيماً للمعلومات.

السابق
الإعدام لقاتل الضابط سامر حنّا أيضاً
التالي
السياسة والمحاصصة تقفلان مستشفى صيدا الحكومي؟