الخطّة الأمنية للضاحية الجنوبية: هل تكون أفضل من سابقاتها؟

الخطة الامنية في الضاحية

في الساعات القليلة الماضية أبلغت حركة “أمل” عناصرها في الضاحية الجنوبية أن الخطة الأمنية المعدّة لهذه المنطقة يتعين ان تنطلق خلال الاسبوع المقبل، وانها في سبيل ضمان نجاح تنفيذها اتخذت قراراً برفع الغطاء عن أي مخلّ أو مرتكب أو مطلوب.

في موازاة ذلك يفترض ان يكون الطرف الآخر المعني أي “حزب الله” قد وضع عناصره وقادته في مناخ التعليمات والتوجيهات إياها في انتظار الساعة الصفر التي باتت وشيكة.
بطبيعة الحال، الخطة الدانية القطوف هي احدى ثمار الحوار المتوالية جلساته بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” في كنف عين التينة ورعاية سيدها، وهي (أي الخطة) تنطلق من اعتبار أساسي عنوانه العريض أنها باتت أمراً ضرورياً لأنه يراد أن يقال بأن هذه الجلسات الحوارية قد بدأت تعطي أُكُلَها العملية وتنتج انجازات وخطوات ميدانية على نحو يلج مناطق ودوائر كانت حتى الأمس القريب بمثابة مناطق محرمة أو موصدة وذلك بدءاً من خطة سجن رومية التي طوت صفحة “الامارة السلفية” في المبنى “ب”، مروراً بخطة بيروت التي أدت الى ازالة الشعارات والاعلام والرايات الحزبية من الاحياء والشوارع، وصولاً الى خطة البقاع الشمالي التي رغم كل ما قيل عنها وجهت ضربة الى دويلة المطلوبين وأقضّت مضاجعهم واجبرتهم على الفرار والتواري ربما للمرة الأولى.
ورغم وجاهة هذا الرأي فان للخطة الامنية الوشيكة للضاحية اعتبارات أعمق وحسابات أبعد لدى الطرفين المعنيين بشكل أساسي وهما “أمل” و”حزب الله”.
ليست الخطة الموعودة الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. فقبل فترة بعيدة بادر “حزب الله” الى تسليط الأضواء على خطة كانت من انتاجه واخراجه، وكانت يومذاك تندرج تحت عنوانين:
– اخلاقي – ديني حيث توكأ الحزب على مخزون الفقه والتشريع والاحاديث والمرويات الدينية الداعية الى احترام الآخر وعدم الاعتداء على الملكيات العامة وتجنب ايذاء الجار وابن السبيل وأهمية نظم أمور اجتماعنا بالتي هي أحسن وأكثر حضارة ورقياً، معتبراً ذلك جزءاً لا يتجزأ من الواجبات والفرائض الدينية.
– عملي تجلّى في الاستعانة بالقوى الأمنية الرسمية بغية قمع المخالفات والاعتداء على شبكات المياه وخطوط الكهرباء وعلى الارصفة وسواها.
يومذاك بذل الحزب جهداً اعلامياً للدعوة الى التجاوب مع هذه الخطة لأنه كان حينها في وارد السعي الى ان يدرأ عن نفسه وعن بيئته الحاضنة تهمة رعاية الفوضى واحتضان الفلتان الذي اجتاح يومها ارجاء الضاحية ونغّص عيش قاطنيها، لا سيما بعدما تمكنت مجموعات التشبيح والسلبطة من التحكم بمفاصل الحياة العامة في هاتيك المنطقة التي ضربت الرقم القياسي في الاكتظاظ حيث يعيش ما يقرب من نصف مليون انسان في بقعة بالغة الضيق.
ولكن ولأن مفعول هذه الصدمة ما لبث ان استنفد نفسه سرعان ما عادت الأمور سيرتها الاولى وبأشكال أكثر سوءاً من ذي قبل، إذ غزت الاكشاك الأرصفة لا سيما على طول الاوتوستراد الاطول في الضاحية (اوتوستراد الشهيد هادي نصرالله)، كما انتشرت معارض السيارات والبسطات بالجملة، في حين بادر أصحاب المحال الى زرع الاوتدة في مساحات واسعة علامة جعلها ملكاً خاصاً لسياراتهم، فيما استمرت عمليات السطو على شبكات الكهرباء بهدف الاتجار بها. وقبل ايام نفذ مئات الاشخاص اعتصاماً متكرراً في ساحة المريجة احتجاجاً على إقدام اشخاص معروفين بالاسم على قطع المياه في الأنابيب الواصلة الى ابنيتهم وبيعها بالصهاريج.
المشهد الوحيد الذي اختفى ثم عاد بشكل محدود هو فرض الخوات على السيارات وبعض المؤسسات التجارية.
هكذا وأمام صرخات الأهالي المتكررة حيال استشراء الفلتان ومظاهر التعدي، استشعرت قيادتا الحزب والحركة الحاجة الى تطبيق خطة أمنية جديدة، أي الحاجة الى أن تأخذ أجهزة الدولة المعنية ادوارها وتقوم بالوظائف المنوطة بها لكي يرتدع المخالفون من جهة ويثق المتضررون من جهة أخرى بأنهم سيصلون الى حقوقهم اذا ما توجهوا الى الدوائر والمؤسسات الرسمية المعنية ولا سيما مخافر قوى الأمن ودوائر الكهرباء والمياه والبلديات والاشغال العامة.
لم يعد خافياً ان النفوذ في الضاحية الجنوبية تتقاسمه جهات ثلاث، فثمة مساحة ضيقة نسبياً هي الشياح وأطراف شارع معوض وحي ماضي وجزء من منطقة الجناح تقع ضمن نطاق نفوذ حركة “أمل”، فيما تقع مناطق بئر العبد وحارة حريك وبرج البراجنة والغبيري وحي الاميركان والسان تيريز ضمن نطاق سيطرة “حزب الله”، وتتقاسم احياء أخرى مثل المريجة والكفاءات وحي السلم والأوزاعي وحي الجامعة اللبنانية عائلات وعشائر بعينها الى درجة أنها تقيم فيها نوعاً من الحكم الذاتي أو الادارة المحلية. ولكل حيز منها أوضاعه ومشاكله.
ولا يبدو أن لدى الحركة والحزب النية أو القدرة على فتح أبواب المواجهة مع هذه المجموعات للحد من تأثيرها لاعتبارات وحسابات متعددة، خصوصاً ان توجهاً من هذا النوع مكلف وخاسر، لا بل يتحول مع مرور الوقت حال استنزاف لا طائل منه.
في أي حال، أظهرت النسخ المتكررة للخطط الأمنية في الضاحية خصوصاً وتقديرات الأطراف المعنيين أن ثمة ثلاثة عوائق أساسية تحول دون ديمومتها واستمرار مفاعليها، وهي:
– أن المؤسسات والدوائر الرسمية المعنية ولا سيما مخافر الدرك، قصّرت دوماً في اداء مهماتها وتحمّل واجباتها حيال المواطنين، إما خوفاً من ردّة فعل القوى السياسية المعروفة، وإما اهمالاً وبعداً عن الشر.
– عجز كل من الحركة والحزب عن أخذ الأمور بشكل جدي، وبالتالي الاستمرار في رفع الغطاء عن المخلين والمرتكبين وترك الأمور على عاتق الدولة واجهزتها المعنية، وتقصيرهما عن حض الدولة على القيام بواجباتها حيال هذه المنطقة.
– بقاء الخطط الامنية المتتالية موسمية أو مرتبطة بمحطات وحسابات معينة، مما يفتح الأبواب لتقويضها وتبديد نتائجها الأولية.
ولا شك في أن سكان الضاحية ينتظرون هذه الخطة بفارغ الصبر، ولكن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!

(النهار)

السابق
سامي الجميل: نحن أبناء أجمل وأنبل قضية في العالم
التالي
مقتل محمد توفيق الأسد إبن عم الرئيس السوري بشار الأسد