عودة الحريري لا الحريرية

سعد الحريري

ليست مصادفة ان يتوقف مجلس الوزراء عن الانعقاد إثر عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، بعد غياب طويل وغير مبرر الى حد ما. طبعا هناك سبب ظاهر لتعليق جلسات الحكومة: الخلاف حول آلية اتخاذ القرارات في ظل الفراغ الرئاسي. حِرْصُ الوزراء على دور الرئاسة الأولى وموقعها، مؤشر على أن رئاسة الجمهورية ليست منصباً شرفياً، أو أنها باتت من دون صلاحيات بعد تعديلات الطائف الدستورية، أو هي تسوية بين المسلمين على حساب المسيحيين. الرئاسة، هي ركيزة في بناء لبنان واستمراره.

سعد الحريري عاد الى بيروت، ومع عودته، انتقل الثقل السياسي السني من السرايا المعطل عملها الى «بيت الوسط». ليس انتقاصاً من دور الصابر الاكبر دولة الرئيس تمام سلام، بل لأن المرحلة مرحلة اعادة تأسيس، لا في لبنان، بل في المنطقة، ويصبح هنا دور الوكيل معطلاً، ولو كان يستحق الدور والمركز.
تعطيل السرايا، ربما يكون بادرة تسوية تتيح عودتين جديدتين: الحريري الى السرايا، والجنرال ميشال عون الى بعبدا. هذا السيناريو إذا تحقق، يعني شيئا واحداً، عودة «الترويكا» السياسية الى الحكم، أي ثلاثية من أقوياء الطوائف الكبرى، وهي ما لم تكرس تقاسم السلطة، فإنها تبطل المحاسبة والمساءلة على الاقل. في حسابات المنطق، هذا هو الممكن حالياً. بات من الضروري تفكيك هذه «السيبة» للوصول الى دولة مدنية، بالواقع لا بالخيال.
سعد الحريري غير الحريرية. فالحريرية التي أطلقها وجسدها دولة الرئيس الراحل رفيق الحريري، انتهت باستشهاده قبل عشرة أعوام. استطاع رفيق الحريري ان يسير بين ألغام، وان ينزع بعضها بمزاوجة قسرية وأحيانا حبية. لم يكن مثاليا بل عقلانياً براغماتياً. أما سعد الحريري، فلم يأخذ التوازنات الحساسة بالاعتبار، وارتضى ان يكون طرفاً سياسياً صدامياً في الداخل وفي الاقليم. وربما كان دافعه الى ذلك حسابات بدت في لحظتها مناسبة، خصوصا انه كان تحت وطأة الخسارة الشخصية الفادحة. ومع ذلك تأسس على خياراته واقع سياسي أسهم في جعل لبنان لبنانَين اثنين. من هنا، ليس في مصلحة المستقبل السياسي للزعيم الشاب، بناء مشروع سياسي لا عنوان له سوى ان يكون رد فعل مضادا للآخرين، وأن يفرض على المسيحيين خيارهم الرئاسي. بامكان سعد ان يؤسس بحجم الشعبية المتوافرة له، لشرعية وطنية مدنية، تعيد تشكيل النظام السياسي على أسس الشراكة الحقيقية، والعبور الى الدولة، بالفعل لا بالقول.
اما الجنرال، فلن يليق بمسيرته الوطنية الطويلة، والتي اختبرت بأشد ما يكون الاختبار، ان يصل الى بعبدا بسبب رغبة الشريك السني القوي بالوصول الى السرايا. تجربة الجنرال مع «وثيقة التفاهم» هي الاساس للعبور بالآخرين، وبالبلد الى مشروع الدولة صاحبة الدور والهدف، والحامية لهوية وطنية جامعة، لا اتفاقات مصلحية آنية.
اما القائمة الثالثة في «سيبة» الترويكا، فمن غير المعقول ان يقتصر دورها على أن تكون خدمة توصيل، ولو الى عنوانَين براقَين كبعبدا والسرايا. «تاكسي» من هذا النوع يُخرِب ركابُه المحركَ بسهولة فائقة.

(السفير)

 

السابق
فالس يندد بشدة بزيارة برلمانيين فرنسيين للاسد
التالي
هل القضاء على «الإخوان» مهمة مستحيلة؟