المرشد الأعلى لـ«جمهورية» الحزب الإشتراكي الدرزي

وليد جنبلاط
لماذا لعب وليد جنبلاط لعبته الشهيرة مُعلنّا نيته الإستقالة من الحياة السياسيّة، ولماذا بدّل رأيه؟ وما هي خلفيّات قراره هذا؟

لأن آل جنبلاط، وكما تقول الوقائع في سيرة اسلافه، يودعون الحياة في العقد السادس من العمر، راود وليد بك هذا الهاجس. لكن بعد مرور أربع سنوات على الثورة في سوريا وعلى تخطّيه “أعوام الخطر”، شعر وليد جنبلاط بتحرّره من هذا الهاجس. لذا بدأ بتحضير نجله تيمور لاستلام قيادة الحزب الإشتراكي وقيادة الدروز تحت عنوان أنّه يريد أن يرتاح. بعدما أعلن نيّته الاستقالة من رئاسة الحزب قبل أربع سنوات، وخلف وعده، وسرّب نيته الاستقالة من المجلس النيابي العام الماضي، وخلف وعده مجدّدا.

وراح جنبلاط يوحي بأنّه يريد التقاعد والإشراف على زعامة نجله، الا من إدارة شؤون الطائفة الأصغر في لبنان، والأكثر فعاليّة، في تناقض لافت يعتبر الوالد كمال، والابن وليد، أحد أبرز صانعيه خلال نصف القرن الفائت.

هكذا، رسم جنبلاط لنفسه خطا جديدا، وُصف بأنه نوع من التوجّه إلى تقاعد واستراحة تسمح له بالتدخل عند الحاجة فقط، من خلال إجراء بعض “روتوش” التجميل هنا وهناك، ما يعني أنّ تيمور لن يُترك لوحده. بدا أنّه، وهو المعارض الأبرز لفكرة “المرشد الأعلى” للبنان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يريد أن يكون “مرشدا أعلى” لجمهورية الدروز الصغيرة.
في هذا الصدد، تقول مصادر متابعة ومقرّبة من الحزب الاشتراكي إنّ فكرة خطر عمر الستين في تراث الحزب الجنبلاطي مسألة مؤكدة، فكلّ قائد أو زعيم وريث في هذه العائلة يتسلّم بعد اغتيال سلفه، كما حصل مع كل من كمال جنبلاط، وفؤاد جنبلاط، وقبله بشير جنبلاط.

وبشير جنبلاط اطلق عليه لقب (عامود السما)، وهي بالمفهوم الدرزي والشعبي الشائع تعني أنّه “إذا قام هذا الشخص تقوم الدنيا، وإذا قعد تقعد”، وهو كما الإمام عند الشيعة. وبشير جنبلاط هو بهذه المرتبة والموقع، بحسب المصدر القريب من وليد جنبلاط.

لذا، لا يمكن لجنبلاط أن “يترك هذه المسؤولية ولن يتركها إلا عند موته. ومن المعروف أنّ جنبلاط، بعد تخطيّه الستين من العمر (ولد عام ١٩٤٩)، تخلّى عن الحماية الأمنيّة المشددة لإيمانه بقدره المكتوب”. ربما شعر أنّه استنفذ سنواته على هذا الكوكب، وما يعيشه هو “بونوس Bonus”. ولا يطمع بأكثر. وهو يتجوّل بسيارته في الشوف من دون حماية ولا مواكبة.

في العودة إلى أصول هذه التصاريح التي أطلقها وليد جنبلاط منذ أربع سنوات، نرى أنّها أتت حين انطلقت الثورات العربية وما يُعرف بالربيع العربي، وظهر له أنّ التغيير قريب، فعقد جمعية عموميّة عيّن خلالها الشيعي ظافر ناصر، بعد ان أحالت المقدم شريف فيّاض على التقاعد بحيث إنّه يمكن اعتباره أدخل دماً جديداً على الحزب.

تيمور وليد جنبلاطوفي الوقت عينه أدخل ولده تيمور بشكل يسمح له بالتدرج نحو أعلى المناصب في الحزب. وليس ذلك من باب التعيين بل من باب التحضير. لكن وبسبب انزعاجه من اللغط الاعلامي والسياسي الذي دار حول تنحّيه، أبدى وليد بك انزعاجه من كثرة السؤال عن موعد التسلّم والتسليم، فعلق على تويتر، الذي هو “لعبته الجديدة” قائلا: “هل المطلوب دفني؟”.

وكان لافتا مقال للصحافي الأقرب إلى وليد جنبلاط، روبرت فيسك، الذي أنجز الكتاب الأهمّ حول كمال جنبلاط في تاريخه، إذا كتب قبل أسابيع مقالا ضمّنه جملة سحرية: “يمكنني أن أشهد بأنّ وليد جنبلاط لن يستقيل أبداً”.

فالدروز، أو كثيرون منهم على الأقلّ، يعتبرون وليد جنبلاط منقذ الطائفة الدرزية وحامي حماها من تبعات انتشار الارهاب خوفا من تعرّضهم لما تعرّض له الأيزيديون في العراق مثلا، من إبادة تاريخية وديموغرافية في لحظة تاريخية عاصفة. ورغم أنّ تيمور صرّح في وقت سابق (2008) أنّه غير مستعد لتسلّم رئاسة الحزب، إلا أنّه، وكما والده، عاد وبدّل قناعاته مع الوقت، كون الفريق المخصّص له أُدخله في دورات وسلسلة قراءات، كما هو حال والده المعروف عنه شغفه بالمطالعة، وبإنشاء شبكات تعارف.

ومن المعروف أنّ وليد بك نفسه كان على الموقف نفسه الذي كان لدى تيمور، أي تمنّعه في البداية، لكنّ والده (كمال بك) أقنعه من خلال إدارة مروان حمادة له. وبرأي مطّلعين على خفايا العائلة الجنبلاطية الصغيرة فإنّ وليد جنبلاط “إشتمّ” رغبة لدى ابنه أصلان بتسلّم الزعامة طالما أنّ تيمور رافض لها، فأرسل وليد بك عبر أحد اساتذة اولاده الى ابنه الثاني أصلان أنّ الزعامة هي لـ”تيمور”، مستبعدا بذلك ايضا ابنته التي اشتهرت بمرافقته وباهتمامه بها.

ختاماً، لم يكن تصريح وليد جنبلاط إلا نوع من تحريك الجوّ السياسي الداخلي من اجل الاستثمار في مكان ما يرغب به وليد بك. هو الذي ليس إلا جزءا من التركيبة السياسية اللبنانية التي معظم وجوهها في المشهد السياسي منذ 100 عام على الأقلّ. ووليد جنبلاط لا يختلف إلا في “الضربات الإعلامية”. وفي الصميم لا يختلف في شيء عن احزاب العائلات او الطوائف في لبنان. فلا ديمقراطية ولا حزب ولا انتخابات ولا شباب ولا من يحزنون، بل توريث وتوريث.

وليد جنبلاط (2/3): لماذا ظافر ناصر؟

وليد جنبلاط (1/3): لا ديمقراطية ولا من يحزنون.. توريث وتوريث

السابق
«الزعيم» ميشال سليمان يحفر موقعه بين عون وجعجع
التالي
عن إقطاع لبنان السياسي