«طابق 99» لجنى فواز الحسن.. حفريات في الحميم والأسئلة الكبرى

جنى الحسن

لا تبدو كتّابة جنى فواز الحسن (1985)، في العموم، مهجوسة بتطويع هياكل سرديّة ولغويّة من خارج المألوف. السرد عند الراوية في خدمة الشخوص أو بالأحرى بواطن هذه الشخوص.
و»طابق 99» (عن منشورات ضفاف/ الاختلاف) المرشحة ضمن قائمة البوكر لعام 2015 هي الرواية الثالثة للكاتبة بعد «رغبات محرّمة» (2009) و»أنا هي والأخريات» / (قائمة البوكر 2014)، هي طرح لأسئلة الوطن والحبّ والحرب والهوية على الذات. وهذه الأسئلة تكون، في الغالب، حفراً لا يستجدي خلاصات ولا يبتغي محاكمة الذات بقدر ما يحاول القول والافصاح عن أشياء ربّما قيلت من قبل في روايات الحرب إنّما بشتى الطرق والاساليب. وهذا ما يعيد طرح السؤال القديم / الجديد عن ماهية حضور ثيمة الحرب، لغة وأسلوباً، وبشكل بالغ الحساسية لكتَّاب لا ينفكون يبتكرون عبرها قوالب روائيّة قابلة بجدّة ورصانة لتحميل المقاطع والنصوص.
أقول: لعل الندبة من أثر الحرب في خدّ «مجد» الفلسطينيّ الذي هاجر مع والده، عامين بعد مجزرة المخيم الرهيبة حيث فقد أمّه، أقول لعلها تكون (الندبة) سؤالا معَلّقا لا ينبغي الإجابة عنه أو تعريضه للخارج الموضوعيّ بل ينبغي إبقاؤه عرضة للتآويل الداخلية والقراءات وإعادة تشكيل المشاعر حوله كتمثيل لحدث أو قضية تصير مع مرور الوقت حاجة حميمية فردانية في مجمل الرؤية الى الوطن. الوطن الضائع إذ يصير هو الآخر، ربما، نوستالجيا في أمسّ الحاجة لان تتمثل، في ظل الغياب الماديّ للأرض/ الأمّ، واقعا موجعا يوميا وملموسا. في هذا الحيز، يكون السرد في «طابق99» مشدودا إلى نفس الراوي الرئيسي وانطباعاته حول باقي الاشخاص بين زمنين 1982/ 2000 لا نحدس بالمسافة بين نقطتيهما.
عمليّا، لا ينبني السرد في «طابق 99» على شبكة هيكل روائيّ يتوسل خواتيم القصّ عند الراوي، بل إنّه خيط سرديّ بقدر ما يتباسط بشخصيتيه الرئيستين (مجد/ هيلدا) أمام المتلقّي من الفصل الأول فهو مع ذلك ينعقد في عينيه على حفريّات متباطئة يمتزج فيها الكلام الفرديّ الحميم والشبه منكتمٍ أحيانا، بأسئلة الجدوى والحرب والحب. أسئلة أرادت الحسن لها، على نمطيتها، أن تظل محايثة وحارّة وقابلة لتعقيد الأحكام البدهيّة في ذهن القارئ عن حقبة تبدو من الماضي ظاهراً فقط.
و «الطابق 99» بما هو في الظاهر ارتفاع شاهق يحتمل تأويل العزلة والنظرة والمسافة، هو في العمق مأزقُ المسافة، إذ تنعدم هذه المساحة أو تمتلئ طوعاً لمصلحة خيالات هذه السنين بشخوصها الغائبين: الوالد ومشاهد الأم القتيلة المنطبعة في طبقات الذاكرة ومآسي المخيّم، أو بشخوصها الحاضرين: محسن / مايك، إيفا حبيبة محسن، هيلدا حبيبة مجد ابنة البيت الكتائبيّ التي تسعى، بانفصالها عن مجد، لبناء تصورات خاصة مستقلة عن وطنها وبيئتها وعلاقتها بمجد. هيلدا إذ تتوارد بجسدها حضورا وغيابا في كامل تقاطيع النص إلى أن تحزم، في نهاية السرد، إثر معرفتها ببعض الحقائق، حقائبها عائدة الى «نيويورك».
في كل الأحوال، يمكن القول إن نصّ الحسن طابق 99» صار يُلزم المتلقي القارئ إعادة البحث في نصوص هذا الجيل الروائيّ، إذا صحّ الحديث عن جيل معين. لا نعرف إن كان يجدي أن نتكلم بصيغة الجمع عن ملامح مشتركة في النصوص والسرديات إذ يفترض بعد اجتياز الأعمال الاولى والثانية البحث بشكل أعمّ في التجربة الروائية لجهة طرح التساؤلات على النص الروائي من كلّ الزوايا في سبيل الكشف عن إمكانيات النص في حفر مكان موضعيّ في الحيز الكتابيّ العام. النصّ ذاته. نتكلم عن ثيمة ولغة وهياكل سرديّة وقدرات تخييلية باعتبار هذه الأشياء مربعات من شأنها أن تعكس التمفصلات والتقاطعات والتناصات في تجارب روائيين وروائيات جدد، ومن شأنها الكشف عن مدى إفادة تجاربهم من سياقات تجارب الرواية العامة أو مدى إفادة نصوصهم من شغل سابقيهم لبنانيين وعرب. يتبع كلّ ذلك سؤالُ الأصل، نعني سؤال التعريف بهذه النصوص الروائية واندراجاتها لناحية تفاعلها مع إشكالات الخارج الموضوعية أوغيابها داخل أنساق الهم الذاتيّ العام.

(السفير)

السابق
الامارات تعلّق مشاركتها في الحملة الجوية ضد داعش
التالي
ردّة فعل نواب الاردن بعد خبر مقتل الطيار معاذ الكساسبة