جيرو «يغرق» في الملف الرئاسي.. الحوار يتجاوز الرصاص و«التشويش»

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والخمسين بعد المئتين على التوالي.

حسناً فعل أهل السياسة والطوائف بأن توصلوا إلى «مخرج فضفاض وملتبس» لقضية ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت، وإلا كادوا يُقحمون الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو بمحاولة استنباط وصفة لها، لعله بذلك يعزّي نفسه ببديل عن «جواب رئاسي» يبحث عنه في بيروت والرياض وطهران وروما وباريس وواشنطن.. ولا يجده حتى الآن.
بهذا المعنى، تصبح زيارة جيرو نوعاً من التمرين الذهني للبنانيين حتى يتذكروا أن كرسي الرئاسة الأولى لا يزال شاغراً وأن المخارج الدستورية التي يبحثون عنها لأمور عدة، بينها التصويت على القرارات في مجلس الوزراء، يمكن أن تتوافر بكبسة زر واحدة تضع حداً لواقع الفراغ الرئاسي الذي انسحب على مجلس نيابي قرّر التمديد مشكوراً لعطلته المفتوحة منذ سنوات.
جلسة الحوار
ووسط استمرار المراوحة في الملف الرئاسي، عُقدت أمس جلسة الحوار الخامسة بين وفدَي «حزب الله» و«تيار المستقبل»، بحضور الوزير علي حسن خليل، واستُكمل البحث في كيفية تخفيف الاحتقان المذهبي، من دون أن تتأثر بالأجواء السلبية التي أشاعها البعض في «14 آذار» قبل الجلسة، لاسيما بعد عملية مزارع شبعا والخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله.
وأبلغت مصادر مطلعة على أجواء الجلسة الخامسة «السفير» أن النقاش في هذه الجلسة استمرّ على النسق ذاته من الجدية والمسؤولية والصراحة والهدوء، مشيرة الى ان الامور كلها، نوقشت بمنطقية وموضوعية.
ولفتت الانتباه الى أنه تمّت مقاربة النقاط الخلافية بروحية إيجابية، استكمالاً للمسار الذي بدأ منذ انطلاقة الحوار.
وأوضحت المصادر أن النقاش في الجلسة الخامسة بقي متمحوراً حول بند تنفيس الاحتقان المذهبي وتطبيقات الخطة الأمنية.
وأكدت أن نقطة إطلاق النار في المناسبات حُسمت بسرعة، بعدما اتفق المتحاورون على رفض هذه الظاهرة وأعربوا عن انزعاجهم الشديد منها، لافتة الانتباه الى أن هذا الموقف يتصل بكل مناسبة أو منطقة معنية بهذه الظاهرة، ولم يكن موجهاً في اتجاه واحد.
وشدّد المتحاورون، وفق المصادر، على التزامهم بما جرى الاتفاق عليه مسبقاً لناحية إزالة الصور والأعلام والشعارات الحزبية في المدن الرئيسة، وعلى طريق المطار (أوتوستراد حافظ الأسد).
واعتبرت المصادر ان هذه الخطوة تنطوي على أهمية فعلية، وليست شكلية كما قد يعتقد البعض، لأن الصور والأعلام والشعارات تكاد تكون مقدسة بالنسبة الى البعض ممن يجدون فيها معاني رمزية قيّمة، وبالتالي فإن تصميم «حزب الله» و «تيار المستقبل» و «حركة امل» على إزالتها يؤشر الى جدية في السعي الى تنفيس الاحتقان المذهبي.
وتوقعت المصادر أن تعقد الجلسة السادسة للحوار يوم الجمعة من الأسبوع المقبل، لكنها أوضحت ان هذا الموعد أوليّ.
وصدر عن المجتمعين بعد الجلسة بيان مقتضب، جاء فيه:
«استكمل المجتمعون النقاش حول عدد من النقاط بصراحة ومسؤولية، ورحبوا بالخطوات التنفيذية لإزالة الصور والملصقات في بيروت وغيرها من المناطق.
وتابعوا التحضيرات المتعلقة باستكمال الخطة الأمنية.
ومن جهة أخرى أكد المجتمعون رفضهم إطلاق النار في المناسبات كافة وعلى كل الاراضي اللبنانية، وأياً كان مبرره».

بري: سالكة وآمنة

وقال الرئيس نبيه بري أمام زواره أمس إن طريق الحوار بين «الحزب» و «المستقبل» سالكة وآمنة، ولم تتأثر بالقنص السياسي، مؤكداً أن القرارات التي تتخذ في جلسات الحوار ستنفذ، ومن بينها قرار إزالة كل العلامات والإشارات الحزبية في بيروت والمدن الأخرى والطريق الساحلية الى الجنوب والشمال وطريق المطار.
وأضاف: لقد أعطيت توجيهاتي إلى الجهات المختصة في «حركة أمل» للمباشرة فوراً في إزالة كل الأعلام والشعارات والصور العائدة الى الحركة من مناطق تواجدها، وبالفعل بدأت إزالتها أمس، برغم أن الموعد المقرر للمباشرة في التنفيذ هو الخميس.

ورداً على سؤال حول تعليقه على قول البعض إن الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله انعكس سلباً على مناخ الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، أجاب: ما قاله السيد نصرالله يندرج في إطار تعزيز مناعة لبنان في مواجهة أي عدوان إسرائيلي، وهذا الامر يجب ان يكون مصدراً للاطمئنان وليس للقلق.

جولة جيرو

في هذه الأثناء جال الموفد الفرنسي جيرو على عدد من المسؤولين والقيادات السياسية، في إطار استشراف أفق الاستحقاق الرئاسي، تتمة لزيارته السابقة إلى لبنان والتي تلتها جولة إقليمية.
والتقت أوساط الشخصيات اللبنانية التي التقاها جيرو أمس على القول لـ «السفير» إنه لم يحمل جديداً حسياً على مستوى الاستحقاق الرئاسي، وإنه اكتفى بعرض نتائج الجولة التي سبق أن قام بها الى كل من الرياض وطهران والفاتيكان، من دون أن يقدّم أي أفكار جديدة، من شأنها تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية.
وفي المعلومات أن جيرو شدّد على أهمية الحوار الداخلي وضرورة المضي به، خصوصاً بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، لعله يقود الى تفاهم داخلي حول الرئيس المقبل، في تعبير عن تعذّر الوصول حتى الآن الى توافق إقليمي – دولي، يمكن أن يشكل رافعة للاستحقاق الرئاسي.
وأمام استعصاء التقاطع الخارجي حول تسوية رئاسية تُفرض على الداخل، ظهر جيرو وكأنه يحرّض اللبنانيين على استعادة المبادرة وتفعيل دورهم في اختيار الرئيس، مع إبداء استعداد فرنسا للمساعدة قدر الإمكان، في هذا الإطار.
وأبلغ مرجع سياسي التقى جيرو «السفير» أن «ما يحمله الموفد الفرنسي في جعبته هو على طريقة «حاول ثم حاول ثم حاول» لعل الحل ينبلج في احدى المحاولات»، مشيراً الى»ان كل ما يُستنتج من زيارته أن لبنان ليس متروكاً».
ونُقل عن جيرو قوله لبعض من التقاهم «إنه انطلق في زيارته الحالية الى لبنان بناء على نتائج إيجابية تحققت خلال محادثاته في إيران وشعوره أن القيادة الإيرانية مهتمّة بالملف الرئاسي وباستقرار لبنان، وهذا همّ مشترك بين فرنسا وإيران».

الحوض الرابع

الى ذلك، نجحت الاتصالات والمشاورات التي جرت أمس على أكثر من مستوى في احتواء أزمة مرفأ بيروت، إذ علّقت نقابة أصحاب الشاحنات في المرفأ، أمس، الإضراب الذي أدّى الى إقفال المرفأ لمدة 24 ساعة، وذلك مقابل وعد بعرض الأمر على مجلس الوزراء في جلسته اليوم لاتخاذ القرار المناسب، فيما توقع متابعون للملف أن يحصل أصحاب الشاحنات على وعد بعدم مسّ منظومة مصالحهم في المرفأ إذا استكملت عملية الردم.
وجاءت العودة عن الإضراب نتيجة تدخل بعض المرجعيات السياسية والدينية، وأبرزها بكركي ورئاسة الحكومة التي كانت أيّدت المضي في تنفيذ مشروع توسعة مرفأ بيروت وتطويره.
وقال وزير الاشغال العامة والنقل غازي زعيتر لـ «السفير» إن تنفيذ ردم الحوض الرابع هو مرحلة من مراحل تطوير المرفأ وتوسعته، في إطار ترجمة قرار متخذ منذ العام 2007 و2009، وملزم للجهات المعنية، لا سيما أن الشركة الملتزمة لديها أمر مباشرة بالعمل منذ العام 2013 تقريباً.
وأكد زعيتر أن المشروع ملزم، وبدأ العمل فيه، وأنه يحاول منذ سبعة أشهر تقريب وجهات النظر، لاسيما أن الأمر يقع ضمن صلاحيات إدارة المرفأ التي تقوم بالعملية، بناء لمرسوم اتخذ في مجلس الوزراء، وان الأمر لا يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الوزراء حالياً. وأوضح أنه سيبلغ مجلس الوزراء أن المشروع لا يلحق الضرر بأي جهة من القوى العاملة في مرفأ بيروت.
وقالت مصادر وزارية معنية لـ «السفير» إن عرض الموضوع على مجلس الوزراء، «يأتي فقط من باب رفع العتب، على اعتبار ان وزير الاشغال سيعرض نتائج الاتصالات التي أجراها، وسيبلغ مجلس الوزراء بأن ما يجري حالياً يأتي ضمن قرار تطوير مرفأ بيروت وتوسيعه، مع تأكيد عدم وجود إمكانية لوقف تنفيذ مشروع ملزم، وتحمل الشركة المعنية أمر مباشرة من الادارة المعنية».
وأكدت المصادر أن زعيتر أبلغ المراجع المعنية أن غاية المشروع تنشيط عمل المرفأ وعمليات التفريغ، بمعنى إنهاء تفريغ الباخرة والحاويات خلال يوم واحد، بدلاً من انتظار أربعة أيام لمجيء الشاحنات وتحميل البضائع المفرغة.

(السفير)

 

السابق
الأردن يشتعل غضباً.. والجيش يتوعد برد مزلزل
التالي
إسرائيل تبتهج باستقالة رئيس «التحقيق الدولية» بحرب غزة