الضاحية… ضاحيتنا كمان، وليست لحزب الله

الضاحية الجنوبية
في كلّ مرّة يعمل حزب الله على الاستحواذ والتفرّد بعناوين كبيرة ومحترمة من أجل الاختباء خلفها والتمترس بها للتستّر على عورات وفجوات تظهر وتباغته في أدائه السياسي والاجتماعي. وبدل الاستماع والاصغاء إلى الانتقاد على قاعدة "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي"، نراه يلجأ كلّ مرة الى التخوين والتهديد والوعيد ولو على حساب المصلحة العامة، فقط من اجل إشباع غريزة التسلّط لديه.

ليست بجديدة على منطق إعلام حزب الله لغة التخوين والتهجّم والتهديد والوعيد بوجه كلّ من عارض او يعارض توجّهاته، أو من يقف في وجه البروبوغاندا التي يعتمدها فريقه الإعلامي والسياسي على طول الخطّ، في مخاطبتة الجماهير. وتزدادة نبرة الاستعلاء والكراهية كلما نجح “الآخر” في الإضاءة على مساوىء واخفاقات وسلبيات يعمل الحزب جاهدا على إخفائها دون معالجتها.

من هنا لم تكن مفاجئة تلك الحملة الأخيرة على موقع “جنوبية” وعلى الصحافي الزميل علي الأمين والفريق العامل معه. وان كنتُ في هذه السياق استطيع ان أؤكد انّ كلّ ما أُثير ويُثار من غبار في هذه الزوبعة لم يشكّل البتة أيّ عامل ازعاج لا للزميل علي ولا للفريق العامل معه.

هذا إن لم اقل انّ تغاضي الحزب وعدم اكتراثه بما تقدّمه “جنوبية” من حقائق ربما كان ليشكّل امتعاضا حقيقيا، لأنّه يدلّل عندئذ عن اخفاق اعلامي كبير في مسيرة “جنوبية”، وكان ليدلّ على عدم تأثيرها في ما تسعى اليه من إحداث خرق لجدار الصمت الذي يلفّ البيئة الشيعية أولا، والمناطق التي يسيطر عليها حزب الله والمسوّرة بعشرات أبراج الحراسة الإعلامية ثانيا.

يبقى الحديث عن الوسائل وآليات الخداع المعتمدة في الدعاية الحزبية، وعن “الشيطنة” في استعمال الاساليب الفرعونية المتبّعة من اجل غشّ القارىء وتحييد وجهة النقاش عن نصابه الحقيقي. تماماً كما فعل فرعون عندما قال له نبي الله موسى “انّ ربنا اعطى كل شيء خلقه ثم هدى”، فلم يكن الردّ الا “فما بال القرون الأولى”. والهدف الخبيث المستتر الواضح هو العمل من قبل فرعون على خلق مواجهة مفترضة بين موسى من جهة وبين الأجداد والآباء (الأهالي) من جهة أخرى، عبر زجّ ذكرهم في النقاش الدائر، وذلك دون أيّ مبرّر.

هذا الأسلوب المتهاوي للأسف هو ديدن اعلام الحزب، فمرّة يتلطى خلف المقاومة ليعتبر انّ التشهير بسارق سيّارات او صاحب معمل كابتاغون هو تشهير بالمقاومة نفسها، ومرّة يختبىء خلف الشهداء فيتحوّل النقاش عن صوابية القتال الى جانب بشار الأسد إلى تطاول على الشهداء انفسهم.

وآخر ابتكارات هذا الفنّ كان “فنعة” الاختباء خلف “الضاحية” وأهلها، ليتحول الحديث او الانتقاد عن مولّد كهرباء يُزعج السكان أو مافيا تديره إلى ما هو بمثابة التعرض لـ”الضاحية”. ويحاول إعلام حزب الله الإيحاء بأنّ الكشف عن عصابة سرقة في احد الاحياء تعمل “السبعة ودمتها” هو تجريح برمزية “الضاحية”.

هكذا يحاول حزب الله، عبر إعلامه، اختصار “الضاحية” والاستحواذ عليها، تماما كما فعل بـ”المقاومة” التي لم يكتفِ بإقصاء كل الناس عنها بل ذهب الى حذف تاريخ من مساهمات وتضحيات أحزاب أخرى كان لها شرف البدء بمواجهة العدو الصهيوني، أبرزها حركة “أمل” و”الحزب الشيوعي” و”الحزب القومي” وغيرهم من عروبيين وناصريين ومستقلّن… وما إنتاجه مسلسل “الغالبون” عنّا ببعيد.

على انّ ما هو مزعج في هذا الأداء هو معرفة الحزب والقيّمين على وسائل اعلامه انّ من يتّهمهم بالاساء الى اهل الضاحية وأبناء الضاحية ونساء الضاحية هم بالفعل من أهلها وساكينيها ومن الغيورين عليها وعلى سمعتها ومن اشد المحافظين على تاريخها الحقيقي والساعين المجدّين لمستقبل افضل لها. وأخواتهم ونساؤهم وأمّهاتهم وشقيقاتهم وبناتهم يقِمنَ في الضاحية ويعِشنَ في الضاحية. وإذا انتقد أحد العاملين في “جنوبية” هذه الظاهرة أو تلك، فهو انتقاد للظاهرة وليس لـ”أعراض نساء الضاحية” كما ادّعت مواقع تابعة لحزب الله.

صحيح انّ جمهور حزب الله يشكّل غالبية لا يمكن انكارها عند كلّ ذي بصر من سكان الضاحية، الا انّ هذا لا يعني ابدا انّه لا يسكن في ضاحيتنا الحبيبة من هم غير حزبيين. فهؤلاء أيضا يشكلون عددا لا يستهان به من سكّان الضاحية.

فضلا عن الإشارة الى انّ كثيرين من الحزبيين انفسهم أيضا هم غير راضين عن الكثير الكثير من السلوكيات المشينة التي تحصل بين ظهرانيهم برضى من قيادة الحزب أحيانا وبغير رضاه أحيانا كثيرة.

ختاما، من المعيب استعمال”الضاحية” وأهلها في المناكفات الإعلامية، خصوصا في استعمالهم متاريس للدفاع عن ظواهر تسيء إلى أهلنا وحياتهم اليومية، لأنّ الضاحية… ضاحيتنا كمان.

السابق
هولاند يدعو لتوخي «اقصى درجات التيقظ» بعد وقوع هجومين في فرنسا
التالي
غراسو التقى بري: ايطاليا مستعدة للاستمرار في مساعدة لبنان