عملاء داخل حزب الله: تمرّدوا لأسباب «عقائدية» وليس مالية (2)

عميل اسرائيلي
فرضت التحولات السياسية والفكرية التي مرّت بها المنطقة تحوّلات عقائدية لدى بعض المنتمين الى الاحزاب السياسية الإسلامية، لا سيما حزب الله. وقد خرج من صفوفه الكثير من الكوادر الذين تحولوا الى ناشطين واعلاميين ليبراليين، غير ان الامنيين والعسكريين في صفوف الحزب، ممن لم يراكموا ثقافة ووعيا يقيهم مناعة، وقعوا في فخّ التعامل مع العدو بعد انهيار منظومتهم العقائدية.

المعلومات المستقاة من المواقع الاخبارية المقرّبة من حزب الله حاولت التقليل من شأن الخرق الأمني الذي حقّقه العدو الإسرائيلي في قسم العمليات الخارجية، والذي كشفت عنه “جنوبية” أمس.

حاولت المواقع الدائرة في فلك حزب الله تصوير ما حدث على أنّه انتصار للمقاومة التي نجحت في كشف عمالة “عميل” داخل صفوفها واعتقلته. واليوم نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للحزب اسم العميل وهو “محمد شوربا”، من قرية مركبا الجنوبية، كما نشرت صورته التي نتحفّظ عن نشرها لأننا لم نتأكد من صحتها بعد.

عميلوإذ سرّبت مصادر حزب الله ان التحقيقات التي اجريت مع تلك الخلية “العميلة”، المكوّنة من 5 عناصر، أظهرت ان الدافع هو مالي وان رئيسها “المعاون” تلقى مبلغ مليون دولار من الموساد الاسرائيلي كدفعات دورية، فإنّ خبراء في شؤون حزب الله وأمنه يستبعدون هذه المعلومات، ويؤكّدون في المقابل انّ ما هو مرصود لوحدة العمليات الخارجية في حزب الله من أموال هو مئات ملايين من الدولارات، هي تحت أمرة رئيس الوحدة ومعاونيه يستطيعون التصرّف بها بحريّة كمصاريف لزوم التجنيد والتدريب ورصد الاهداف والتنفيذ وغيرها. ولأنّ عناصر الوحدات الامنية الخاصة في الحزب يعيشون برفاهية كما هو معروف، ومسؤولوهم يصرفون ميزانية لا حصر لها هي تحت تصرفهم دائما، فإنّه يرجّح ان تكون لعبة مخابراتية أو فخّا أمنيّا هو من أوقع تلك الخليّة في احضان الموساد الاسرائيلي قبل أعوام وجرّها إلى التعامل معه محقّقا أكبر خرق وأخطره في جسم حزب الله.

فما هو السبب الذي يجعل مسؤولين كبار أقوياء وأصحاب نفوذ ومرفهين يقعون في شرك العماله؟

أحد المنتسبين السابقين في حزب الله تحدّث عن تغيّر “عقائدي” وعن وعي فكري جديد بدأ يدبّ في نفوس بعض هؤلاء من مسؤولي الصف الأول والثاني في الحزب. من الذين خاضوا تجربة التأسيس الأولى بما فيها من حماسة دينية وعقائدية، فقاتلوا أميركا واسرائيل وحرروا الجنوب وتلاحموا مع اشقائهم المجاهدين السنّة في فلسطين ولبنان… لكن بعد ذلك مع بداية القرن الحالي شهدوا التغيّر في مسار تلك العقيدة الذي أدّى الى الخراب العام مع يقظة العصبيات الطائفية والمذهبية فتحوّل الجهاد الى صراع داخلي دفاعا عن الفئة الناجية وعن “نظام ظالم” في سوريا أو حتى عن مصالح الحزب الضيّقة. ناهيك عن الفساد الذي بدأ مع احتكار فئة للسلطات والمصالح والمال داخل الحزب وتهميش آخرين. وهذا خلق نقمة لدى كثيرين. فخرج من خرج من هؤلاء من جسم حزب الله وانضم قسم منهم الى تيارات سياسية ليبرالية مستقلة، وأصبحنا نشاهد صحافيين ومشايخ وناشطين في صفوف المجتمع المدني كانوا يوما ما من أشدّ العقائديين المتطرفين داخل حزب الله.

غير ان الانحراف والعمالة للعدو، ودائما بحسب “الحزبي السابق” في حديث لـ”جنوبية”، ظهر مع بعض الأمنيين والعسكريين ممن شعروا بغضب ونقمة على قيادة الحزب بعد اكتشافهم لاساليب التعبئة والتضليل الديني الذي لم يعد ينطلي عليهم بسبب تقادم تجربتهم . فلم تسعفهم ثقافتهم البسيطة ولا وعيهم الذي لا يعرف الا الأمن والعسكر في مراكمة مناعة تنجيهم من خطيئة التعامل مع العدو بعد انهيار منظومتهم العقائدية. وهم الذين أرادوا الانتقام من تضليلهم طيلة تلك السنوات بجعلهم يشتركون بمعارك أخوية وجانبية كي يصل في النهاية من يصل الى السلطة من المنتهزين وينطق باسمهم مستغلا اخلاصهم وتضحياتهم في سنوات شبابهم التي أفنوها خدمة للحزب ولعقيدته.

ويضرب المنتسب السابق للحزب، الذي طلب عدم الافصاح عن هويته، مثلين يؤكّد بهما انّ الخرق “العقائدي” لولاية الفقيه هو سبب رئيسي للخيانه. والمثلان هما المسؤول الأمني الكبير محمد سليم “أبو عبد سليم” الذي فرّ الى اسرائيل قبل القبض عليه. وقد كان الساعد الأيمن للمسؤول الجهادي العام في حزب الله عماد مغنية، الذي اغتيل في سورية العام 2008، وكذلك مسؤول «وحدة التدريب» في الحزب الذي أُلقي القبض عليه قبل ثلاث أعوام، واسمه محمد الحاج، المعروف بـ «أبو تراب» وهو لقب للإمام علي كان رفاقه قد لقّبوه به لشجاعته في الحروب وزهده وتديّنه. وهو بدأ العمل مع «سي آي اي» عندما قرّر هو نفسه تسريب أخبار عن المقاومة دون أي مقابل، وعند التحقيق وسؤاله عن السبب الذي جعله يخون وطنه ودينه ورفاق السلاح، أجاب دون ان يبدي ندما على أفعاله: “إنّها الطريقة الوحيدة والأسرع للانتقام منكم واسقاطكم”!

السابق
العثور على 230 جثة من أبناء عشيرة الشعيطات في ديرالزور
التالي
السنيورة والمشنوق غادرا إلى الرياض