مكتبة الاسكندرية احتفت بالذكرى الثامنة لرحيله الشاعر جودت حيدر

حفاظاً على إرثه الثقافي، أقام “مركز دراسات الاسكندرية وحضارة البحر المتوسط” في مكتبة الاسكندرية، احتفالية كبرى في الذكرى الثامنة لرحيل الشاعر اللبناني العالمي جودت حيدر (شكسبير العرب)، وبالتعاون مع “جمعية اصدقاء جودت حيدر” في لبنان.

حضر الاحتفالية نخبة من الادباء والاستاذة الجامعيين من لبنان ومصر، ومن الفاعليات الدبلوماسية التي حضرت الحفل سعادة سفير دولة ليبيا، وقناصل دول لبنان وليبيا وفلسطين والسودان. وتضمن الاحتفال كلمات لكل من: الدكتورة سحر حمودة، مديرة المركز، ومحافظ البقاع السابق الدكتور دياب يونس، وكلمة الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي وكلمة الشاعر الدكتور حسن طلب، وتخلل الحفل عرض فيلم وثائقي عن حياة الشاعر قدمه الدكتور جوزف شمالي وفسحة مع شعر جودت حيدر بألحان وصوت الفنانة سحر طه ورفقة عودها وإيقاع العازفة قمر عمري، حيث غنت أربع قصائد لحيدر هي: “عبور القناة” بترجمتها العربية حيث كتبها الشاعر بالانكليزية، و”بيروت”، “مليحة” و”بعلبك”. وهي من قصائده التي كتبها بالعربية.

استهلت الدكتورة سحر حمودة الاحتفال الذي أدارته، بكلمة قالت فيها:  اهتمامنا بجودت حيدر ينبع من اهمية دوره العالمي والثقافي في المنطقة والعالم الغربي، لذا ارادت مكتبة الاسكندرية الحفاظ على إرثه الثقافي عبر تكريمه في الذكرى الثامنة لرحيله، ولأنه رجل الفصول الأربعة لتنوع أدبه بين الوجداني والوطني والروحاني والاجتماعي، اضافة الى انه كتب باللغة الانكليزية كأهم الشعراء الانكليز، فهو الشاعر المثقف وهو التربوي المتمرس، وقد تجلت قيمه الانسانية والاخلاقية والاجتماعية في شعره، حيث كتب قصيدة باللغة الانكليزية بطريقة مبدعة جعل صحيفة “نيويورك تايمز” تصفه بالمميز.

وقبل عرض الفيلم الوثائقي عن الاديب الكبير، قال الدكتور جوزف شمالي، الذي أعد الفيلم: انه يتضمن مقتطفات من حياته من خلال شعره وهي امور لها علاقة بالامكنة التي عاش فيها والمناطق التي احبها وحبه للعولمة، واشار الشمالي الى: “انه تعرف الى الشاعر من خلال شعره وتأثر به فخلاصه عمره وضعها في شعره”. واعتبر شمالي ان: “الفيلم ير ايضا المكرم والامكنة التي تواجد فيها وصورا من ارشيفه الخاص، اضافة الى موسيقى خاصة وضعها الملحن جورج نعمه، وهو باللغة الانكليزية حيث اخترنا من قصائده التي كتبها بالانكليزية في لبنان وفرنسا واميركا. ومدة الفيلم 9 دقائق وقد اعد خصيصاً للاحتفال التكريمي في مكتبة الاسكندرية”.

من جهته تحدث محافظ البقاع السابق الدكتور دياب يونس، فقال: “فرد س جودت حيدر لبنان، حيث جمال وحلم بتناغم يتزاوجان، ومحور الكون جعله، وجعل أرزه والزمان تربين مجايلين، ومثالا للحرية والتحرر، رفعه، فلا قام في لبنان عرش ولا صمد في لبنان طاغ. واضاف: وفي لبنان جودت حيدر كما في لبناننا كما في مصركم ارضنا واحدة، وسماؤنا واحدة وارضنا المقدسة كلها كتاب الله. فأنى التفت وكيف طفت به ترى حباً تنصر أو إخاء أسلم وللصليب بوادي النيل تسبحة، وللهلال بوادي النيل تهليل. وبلهجة عراف اغريقي قديم حكيم يجاهر: “.. مثل من يحارب دينا من الاديان السماوية مثل من يطلق النار على نجم ليجعل من شعاعه فيض عتمة من الظلام. وكتب: لقد ايقنت ان الهوادي آمنت بالانجيل والقرآن دينا وانا انظر اليها تركع بخشوع وتعمد الشواطئ، وتصلي صلاة الغروب والفجر على الرمال”.

اما الشاعر الدكتور حسن طلب استاذ الفلسفة في جامعة حلوان  الذي بدأ القسم الثاني من الاحتفال متحدثاً عن اتجاهات الشاعر في الكتابة واعتبره من الشعراء الفلاسفة، اولاً رغم ان الدارس لشعره يمكن يتناوله من جوانب عدة.

اعتبر انه: “… لا يوجد ينبوع، تغترف منه الفلسفة ولا يغترف منه الشعر. كبار الشعراء كانوا دائماً اصحاب هذا العمق الفلسفي الذي يجعل أشعارهم تبقى على مر الزمان. عندما ترجم عزام في اربعينيات القرن الماضي شعر محمد اقبال من الكردية الى العربية، قدم له الدكتور طه حسين قائلا: هذا هو ثاني الشعراء الفلاسفة في تراثنا الاسلامي، ويقصد بالشاعر الاول من سبقه بعشرة قرون، أبو العلاء المعري. هؤلاء الشعراء الفلاسفة يخاطبون القيم الثابتة في الانسان والتي تبقى على اختلاف الزمان والمكان  ولذلك نستطيع ان نستقبلهم ونستمتع بشعرهم في كل عصر من العصور، كما نستمتع الى الان ببشكسبير ودانتي وحتى بهوملت، وحتى ما تبقى لدينا من قصائد الشعراء المصريين القدماء لان في هذا الشعر، الكثير مما يخاطب الانسانية متمثلة بمثلها الاعلى، يخاطب الضمير الانساني الذي لا يتغير بتغير الازمنة والامكنة، وهي تتسع لاطياف اخرى من الرمزية وحتى من اطياف اخرى من الكلاسيكية، في رصانة دفاعها عن القيم وهو موجود منذ قديم الزمان، لدى الشعراء الكلاسيكيين والرمزيين والرومنتيكيين، لذا فإن الشاعر حيدر يستعصي على التصنيف، بحيث نستطيع ان نعتبره شاعراً رومنسياً وفي بعض قصائده ملامح رمزية تنسبه الى الرمزيين، ثم قصائد سائرة، ولنا ان نقف عند مسألة الزمان في قصائده”.

واختتم الشاعر احمد عبد المعطي حجازي الاحتفال بكلمة استعاد فيها ذكرى لقائه بالشاعر حيدرشخصيا  في ذكرى الشاعر خليل مطران في بعلبك، قبل تسع سنوات ، “…واليوم هو لقائي الثاني بجودت حيدر. اللقاء الاول كان مع شخصه وهذا اللقاء مع شعره، وانا لا افصل بينهما، فالشخص اقصد حيدر بالذات ماثل في كل حرف من حروف قصائده التي يطالعنا فيها وجهه ويختلج فؤاده. لم يكن الشعر بالنسبة لجودت حيدر مجرد صنعة او موهبة، ولم يكن ايضاً مجرد هواية او زينة، كان نشاطاً وجودياً وفي هذا اتفق مع ما قاله الشاعر الصديق حسن طلب ، نشاطاً وجوديا يمارسه بعمق وتطهر، كأنه يؤدي طقسا شعائريا وهو انطباع قوي يعرفه الذين قرأوا شعره وعرفوا سيرة حياته.

سحر طه وجودت حيدر

يذكر ان الشاعر جودت حيدر لقب بـ “شكسبير العرب” لمخارجه الشعري المتجانسة والراقية، قلعة بعلبك الصامدة ومدينة الشمس التي انجبته كمثالها، عصية على الزمن، وهو ذو تاريخ يبدأ ولا ينتهي ومنارة للمعرفة. تآخى مع الالم والمحن منذ نعومة اظفاره، قهره الزمن فرد له الكيل بأكيال من الصمود والمواجهة والبقاء لإيمانه بربه وبوطنه وبالحياة، ولد في نيسان العام 1905 وتوفي عام 2006 عاش مائة عام وواحد واحب خلالها الحياة كحبه لبناته الست، وزوجته وابنه اللذين فجعه بهما القضاء والقدر.

 

 

 

 

السابق
الإعلام الإيراني: الغرب ورط أستراليا
التالي
جنبلاط مع «الحشيشة»… ما واقعية الأمر؟