فوضى الضاحية (4): رصاص «المشاعر» يقتل الأبرياء في بيوتهم

إذا كان حزب الله في عظمته وجبروته لا يستطيع لجم هؤلاء المستزلمين الطائشين وردعم عن إطلاق الرصاص ابتهاجاً أو حزناً؟ الذي أودى بحياة كثيرين، فليسلّم أمره إلى الدولة، ساعتئذٍ يمكن أن يحصل شيء جديد ضدّ إطلاق الرصاص العشوائي. هذه الطريقة التي بها يعبّر أهل الضاحية عن مشاعرهم، أيّا كانت.

روى أحد الأصدقاء أنه بينما كان يتحضّر لاستقبال ابنه البالغ من العمر ستّ سنوات، من المدرسة المجاورة لمنزله، صودف أن هناك تشييع لأحد مقاتلي حزب الله في سوريا، وطبعاً بدأت أصوات الرصاص تتعالى بشكل مخيف في المنطقة. عندها اعتقدت خادمة المنزل أن الحرب قد قامت وعليها إحضار الطفل سريعاً إلى المنزل. نزلت على الدرج، وركضت نحو المدرسة حملت الطفل متوجّسة من صوت الرصاص، ومحتسبة عند ربها ألا يذكرها في هذا الوقت، ولم تعرف كيف وصلت إلى البيت، في ظلّ رعب والتخبط الذي عاشه هذا الطفل البريء من جرّاء هذا الأمر.

اطلاق رصاصففي لبنان  يكاد يكون إطلاق النار العادة المشتركة بين المناسبات كافة. يعبر اللبنانيون، في مناطق دون أخرى، عن «مشاعرهم»، سواء أكانت ابتهاجا أم حزنا، بإطلاق النيران الصديقة، خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية، رغم تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومحاولة استعطاف أتباعه ومحبيه ومخاطبتهم “بالمونة” لردعهم عن إطلاق النار دون جدوى. إذ قال لهم مرّة: “من يطلق النار فهو يطلقه على عمامتي”.
وكان العلامة الشيعي الراحل السيّد محمد حسين فضل الله قد أصدر فتوى مماثلة في العام 2007 حرّمت كلّ ما من شأنه أن يضر بالبيئة أو يمثل اعتداءً عليها أو يؤدي إلى إزعاج الناس وترويعهم وتخويفهم، في إشارة إلى ظاهرة إحراق الإطارات المطاطية وإطلاق الرصاص والمفرقعات وطبعاً دون جدوى.
وهناك عدد كبير من قتلى الرصاص الطائش يفوق بالدرجة الأولى عدد قتلى التفجيرات التي حصلت في الضاحية الجنوبية. فالشاب وسيم شحادة (27 عاما) قتل برصاصة ابتهاج في حفل زفاف مثلاً.
وقُتلت سعاد بشير من برج البراجنة، وهي واقفة على شرفة منزلها تنثر الأرزّ على موكب عروسين أمام منزلها، وهي أمّ لتسعة أولاد لم تكمل الخمسين من عمرها، برصاصة ابتهاج طائشة.
رصاصوقتل الشاب محمد قشوع برصاص طائش أثناء قيام بعض شباب المنطقة إطلاق ‏الرصـاص بغزارة بمناسبة عودة أحد المخطوفين.
وهكذا أصبح مجتمعنا في حفلات الزواج يطلق الرصاص، عندما يتوفى أحدنا يطلق الرصاص، عندما يربح فريق كرة القدم الذي يشجّعه يطلق الرصاص فرحاً، وعندما يخسر يطلق الرصاص غضباً. وعندما يختلف مع زوجته يُطلق الرصاص، وعندما يتصالح معها يُطلق الرصاص. في تشييع حزب الله شباباً قضوا في سورية يطلق محازبوه الرصاص.
ولا من وازع ولا رادع لهؤلاء الشباب المتحمّسين زيادة عن اللزوم. هذا رغم من أنهم يقبعون تحت سلطة حزب الله الأمنية. لكنّ حزب الله غير قادر عن ردعهم ولا حتى السيد حسن نصرالله نفسه، ربما لعدم خسارة الحزب بعضاً من مقاتليه، أو لعدم التصادم مع بيئة لا تقبل بغير الرصاص للتعبير عن مشاعرها. وهو في أمسّ الحاجة إليهم حالياً في أماكن أخرى، أو ربما لعدم استطاعته منعهم، لحاجته إليهم في الانتخابات وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى وقود بشري لكسبها، أو ربما والله أعلم فقد كبر حجم “البيكار” و”فِلِت الملقّ”.

وهنا نسأل سؤالا بريئاً، أين الدولة من كلّ هذه التصرفات المشينة والخطيرة في آن. والتي تحتّم عليها حمايتنا وحماية أولادنا من بعض الطائشين والمستزلمين.

السابق
ليلى مرعي وأحمد شمس الدين يحوِّلان الدواليب المستهلكة تُحفاً فنيّة
التالي
ندى أندراوس: عيب!