دروس في الحرية والتقدير من المستشفى

المستشفيات في لبنان
لقد قدر الله لي أن أدخل المستشفى لأول مرة في حياتي، وحاولت ألا أكون من أولئك الفاشلين فأردت أن أجني من ثمار التجربة ومن خلاصة المدة التي قضيتها هناك، ما ينفعني في أيامي المعدودة مهما طالت أو قصرت.

لا يختلف اثنان في أن الحياة مدرسة، والفاشل فيها ليس من سقط في دروبها، ولا من لم يستطع معاودة النهوض، بل الفاشل والخاسر فيها هو من لم يأخذ العبرة والعظة مما يمر به من أحداث أو يمر هو بها. وقد قدر الله لي أن أدخل المستشفى لأول مرة في حياتي، وحاولت ألا أكون من أولئك الفاشلين فأردت أن أجني من ثمار التجربة ومن خلاصة المدة التي قضيتها هناك، ما ينفعني في أيامي المعدودة مهما طالت أو قصرت.
· التقدير، هو الدرس الأول في أبجدية العظات وحروف الامتحان الذي مررت به، فعندما خلق الله هذا الكون، قدّر كل شيء بقدر .. قدّر كم نقطة ماء ستنزل من المطر، وكم حبة من الرمال ستتشكل منها الصحارى، قدّر عدد الحصى في الجبال، والنبات على التلال، ومما قدره الله، الكم والعدد، فلكل منا كم وعدد من الأمور أو المآكل أو المشارب هو مدركها، ولكنه مخير بالوقت والحالة.

مثال على ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى كمية السكّر أو الملح التي سيتناولها شخص ما، فيكتب أن فلان الفلاني مقدر له أن يأكل طناً من الملح في حياته، فيقوم صاحبنا بالاغتراف من الملح في سنين معينة من عمره، مما يؤدي لوجود الأمراض لديه وعلى رأسها مرض الضغط، فيزور الطبيب الذي يمنعه من تناول الملح في فترة العلاج، ولو أحسن صاحبنا توزيع الكميات بالاعتدال والكيفية المقبولة عادةً، لما تم حرمانه منها بقية عمره.
قس على ذلك مريض السكر، والمصاب بالسمنة، وغيرهم وغيرهم .. فكل منهم، يكون قد استهلك، ما كتب له في فترة عمره ، خلال أيامٍ معدودة.
أيضاً في نفس التوصيف، كل مسائل هذه الحياة، لها ميقاتها وحدودها ومدتها، والاسراف فيها قد يؤدي إلى الحرمان المستقبلي وإلى خسران هذه المسائل في ما تبقى لما من أيام نعيشها في هذه الدنيا.
· الحرية، وهي الدرس الثاني في هذا المجال، وهي لا تقدر بثمن، سواء حرية الجسد في التنقل، أو حريته في اختيار ما شاء من الطعام، فتجد نفسك مستسلماً منصاعاً لأوامر الطبيب أو الممرض في غالب أفعالك مسلوب الإرادة، تتقلب بين أيديهم وتنفذ أوامرهم من دون حتى الإعتراض أو النقاش، إفتح فمك، أغلقه، خذ نفساً عميقاً، سلمني يدك، خذ هذا الدواء وغيرها وغيرها من الأوامر التي يتم تنفيذها حتى من دون التأكيد القولي بكلمة “حاضر” مثلاً، وهو هو تراه يتشدق بأنه لا يخضع لسلطة أحد، وأنه كالخيل الجامح، الذي يرفض الانصياع.

· التنظيم، والترتيب والدقة في المواعيد، هي درسنا الثالث، فأوقات الزيارة، والطعام، والدواء، والاستيقاظ والنوم، تصبح متتابعة متتالية بانسياب، ويتعود الجسد عليها، ويتعود المريض ثم يتعود الزوار على تطبيق هذا التنظيم وذاك الترتيب على النفس قبل الغير فتسير الحياة وتتقلب الأيام بانتظام رهيب، وخاصة في مواقيت الدواء، فتكون كل المحاولة، أن يؤخذ الدواء في موعده، لا يسبق دقائق ولا يؤخر، وعندما تعود إلى البيت، سرعان ما تتبدل الحالة ويتغير الوضع، إلى فوضى لا وجود لأدنى تنظيم فيها.

·أما الدرس الرابع، فهو الصدق والشفافية، فحتى تنال العلاج المجدي والوصفة الشافية، يجب أن تُصدِق الطبيب عن آلامك وأوجاعك، يجب أن تصارحه بما تشعر به أو بما تناولته من طعام، لا بل تحاول أن تتذكرأصغر تفصيل وأدق تحليل وتخاف من أن تنسى أي شيء، أو تتوه عن أي أمر، هنا فقط يختفي الكذب وهنا تتلاشى التورية.

·القناعة، وهو خامس الدروس، وهو ينطلق من تحديد كمية الطعام المرسلة، حيث تعتبر هذه هي وجبتك وكفى، وكذلك في السماح بعدد من الفواكه نوعاً أو كماً ، أضف إلى ذلك معيار ومقدار الدواء، فيقول الطبيبمثالاً، خذ نصف حبة صباحاً وحبة كاملة مساءً ، فلن تجد بعدها من يأخذ ثلاث حبات صباحاً تحت ذريعة الشفاء العاجل أو المسرع ، لا وألف لا، بل يلتزم بأدق التعليمات والكميات المطلوبة.

وبالتأكيد هناك الكثير والكثير مما يمكن لباغي الدروس أن يتعلمه، ولطالب العِبَرِ أن يأخذه وللباحث عن الخلاصات أن يناله ، ولكن وقبل كل شيء، هي الإرادة .. فكر .. قرر .. وانطلق !!

السابق
نينجا حزب الله وصندوق حماس: الهزيمة.. وأوهام الانتصار
التالي
الامن العام ينفي اي لقاء بين اللواء ابراهيم وجبهة النصرة