أولوية مواجهة الإرهاب في لبنان

ن ما ينبغي أن يلاحظ في هذا المجال أن التطرف أشكال، فإذا كان «داعش» ومن لف لفه يمثل أحد أشنع أشكال الغلو، فهذا لا يعني أن التطرف المقابل المتمثل بـ «حزب الله» بريء من الممارسات المتطرفة، لمجرد أنه يسلط الضوء على إرهاب «داعش» ويدعو إلى محاربته.

تتصدر هذه الأيام نظرية سياسية في لبنان، تقوم على أساس أن مواجهة الإرهاب أولوية تتقدم على ما عداها، وأنه ينبغي تناسي أو تأجيل أو تنظيم الخلافات والتعاون في مواجهة الإرهاب. يروج لهذه النظرية «حزب الله» وحلفاؤه، ويطالبون الآخرين بملاقاتهم في «منتصف الطريق».
لوهلة أولى، تبدو هذه النظرية واجبة التبني، على اعتبار أن الجماعات الإرهابية هي خطر حقيقي على الجميع، وتشويه فعلي للدين الإسلامي، والمواجهة معها حتمية… إلا أن ذلك كله لا يجعل طرح «حزب الله» هذا واجب التبني أو حتى مقبولاً كأرضية للتفاهم مع الحزب، لأسباب كثيرة.
بدايةً، فإنه ينبغي التوافق على التوصيفات، لأن النتائج لا تكون صحيحة إلا إذا تأسست على معطيات صحيحة. وعليه، لا يمكن اعتبار الجماعات الإسلامية الرافضة للمشروع الإيراني تكفيرية بالجملة، ولا يمكن اعتبار كل من يحمل السلاح إرهابياً، وبالمقابل لا ينال من يمارس الإرهاب صك براءة إذا رفع شعار مواجهة الإرهاب المنطلق من منطلقات مذهبية أخرى.
هذا يعني أن الجماعات الإسلامية السنية في لبنان-وكلها تقريباً اليوم على خصام مع «حزب الله» عدا تلك المرتبطة به – ليست تكفيرية، كما يحب الحزب وحلفاؤه أن يسموها (ذهب الحزب أبعد من ذلك عندما وصف نواباً ووزراء بهذه الصفة لمجرد أنهم يرفضون مشروعه)، كما أن الجماعات التي تحمل السلاح في سوريا ليست كلها تكفيرية أيضاً كما يطيب للحزب أن يصور، علماً أنه عندما ذهب الحزب إلى القصير لم يواجه غير أهل المنطقة و«الجيش الحر» وقد كان «الحر» وقتها أقوى مما بات عليه بعد تدخل الحزب عسكرياً في سوريا.
وبالمقابل، فإن تسليط الحزب الضوء على ممارسات الإرهابيين، لا يعني أنه لا يمارس الإرهاب، فهو متهم بذلك أمام القضاء الدولي (جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما يرتبط بها)، وأمام عديدٍ من المحاكم في غير مكان في هذا العالم، فضلاً عن جرائمه المعروفة في السابع من أيار وما قبله وما بعده، وصولاً إلى احتلاله أراض في سوريا وقتله لأهلها أو تهجيرهم.
ما سبق يعني، أننا أمام تطرفين وليس تطرفاً واحداً، وأن أحد هذين التطرفين يريد أن يكون الجميع في صفه لمقاتلة التطرف الآخر، في حين أن المطلوب هو قيام تحالف بين المعتدلين من الطوائف كافة لمواجهة الإرهابيين لدى الطوائف كافة (المواجهة ليست بالضرورة أن تكون عسكرية، فالرافضون لمشروع الحزب قد اختاروا المواجهة السلمية حرصاً على البلد). أما أن يصبح السنة «صحوات» (أي على غرار تجربة الصحوات في العراق، والتعبير لوزير الداخلية اللبناني) إلى جانب «حزب الله» في مواجهة «داعش»، و«النصرة»، و«الأخوان» وكل رافضي المشروع الإيراني، فيما ينال الحزب مراده ويبقى على سلوكياته، فهذا ما لا يمكن لشعار، «أولوية مواجهة الإرهاب» أن يمرره، لأنه ينهي إرهاباً ويقوي آخر، وينهك ساحة ويترك أخرى، وينقل كرة النار من يد المتطرفين في كلا الفريقين إلى داخل الساحة الواحدة، والمقصود هنا الساحة السنية، فيضعف المعتدلون وينتعش المتطرفون.
إن ما ينبغي أن يلاحظ في هذا المجال أن التطرف أشكال، فإذا كان «داعش» ومن لف لفه يمثل أحد أشنع أشكال الغلو، فهذا لا يعني أن التطرف المقابل المتمثل بـ «حزب الله» بريء من الممارسات المتطرفة، لمجرد أنه يسلط الضوء على إرهاب «داعش» ويدعو إلى محاربته. وإذا كانت أفعال «داعش» مقززة، وتفتقد المناورة، وتستعدي كل الناس، فهذا لا يعني أيضاً أن ممارسة من يحاربوها، سواء الميليشيات العراقية أو اللبنانية ليست إرهاباً، مع فارق أن هؤلاء أكثر حنكة، ومناورة، ويتمتعون بتحالفات عريضة، ورعاية إقليمية، وسيطرة إعلامية وتشبيك عجيب مع أجهزة أمنية وعسكرية.
إن تنحية الخلافات لصالح مواجهة الإرهاب صحيحة، شرط أن لا تضم من يشبه الإرهابيين، وما هو أصح منها قيام تحالف بين المعتدلين جميعاً في مواجهة الإرهابيين جميعاً، وإلا ترك المتطرفين ليواجهوا بعضهم، مع رفضهم جميعاً، وهذا أضعف الإيمان.

السابق
حكي جردي: ومن شاءَ منكم فـَلـْيَجْـتَرّ
التالي
من يوقف داعش الشيعة؟