كربلاء ليست قميصاً أسود فقط

عاشوراء
لا يمكن أحد أن ينكر أو يقلّل من أهمية ما حصل في كربلاء قبل 1400 عام، ووقفة الحسين بن علي، حفيد رسول الله، ورفضه مبايعة يزيد، وإعلانه الصريح بمعارضته السياسية لحاكم مستبدّ ظالم، لكن لا يمكن أيضاً توصيف واختصار كربلاء بالقمصان السود.

كيفما قلّبت وجهك، ومن أي الزوايا تطلّعت، ناحية ما حصل في كربلاء، من موقع المتدين أو من موقع الإنساني، من موقع المسلم الشيعي أو من موقع المختلف ، فإنّك لن تجد في وقفة الحسين بن علي ورفضه مبايعة يزيد وإعلانه الصريح معارضته السياسية لحاكم مستبد ظالم، معارضة كلّفته روحه وارواح كل الذين كانوا معه من اهل بيته واصحابه.. حينها لا يسعك الا الإقرار بعظمة ذلك الموقف، واعتبار صاحبه من رجالات التاريخ الذين حملوا على كواهلهم رسم لوحة الإنسانية بألوان الرقيّ التي تليق بالبشر.
فالمجتمعات الإنسانية وما وصلت إليه الآن من حالات تسامي (بعيدا عنّا)، إنّما هي تدين بما وصلت اليه لاصحاب تلك المواقف التاريخية، فلا يمكن اعتبار وثيقة حقوق الانسان العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة في 10 كانون اول 1948، بوصفها وثيقة المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي ان تبلغه الأمم والشعوب كلّها، إلا مرحلة متقدمة ونتاج لتراكم تاريخ انساني، وكربلاء هي احدى تلك المحطاته.
وعند النظر الى موقف الامام الحسين وما جرى في كربلاء من مأساة مروّعة، فقط من اجل تكريس مفهوم انساني، هو مفتاح كل اغلال معاني المظلومية والبؤس والاضطهاد على امتداد الزمان والمكان، والمتمثل بالوقوف في وجه السلطة الجائرة ومنع تمادي جورها ونزع أي مشروعية عن ارتكاباتها، وتحت أي من المبررات والعناوين (الخطر الخارجي – مؤامرة – ممانعة).

يتحوّل بعد ذلك مفهوم رفض الظلم الى ما يشبه قاعدة إنسانية عامة مكرّسة بالوجدان ومقّرة بالنفوس السامية، حينها نستطيع ان نفهم فعل الامام الحسين(ع) على أنّه هو خدمة جليلة للبشرية جمعاء.
وبهذا المعنى فقط يمكن إعطاء كربلاء المعنى الحقيقي الذي تختزنه، وبهذا المعنى فقط يمكن الاستفادة من استذكار وإحياء هذه الذكرى، فالمشهدية الكربلائية ليست معقدة كما يحاول ان يوحي لنا قرّاء السيرة الحسينية ومن يدّعون حمل لواء الحسين، بل يمكن اختصارها واختصار احداثها بعيدا عن الكثير من التفاصيل التي افرغت وتفرغ كل يوم من جوهر القضية على الشكل التالي: “حاكم ظالم ورث السلطة وفي المقابل مصلح رافض للظلم”.

أيّ مقاربة لواقعة كربلاء بعيدة عن هذا الجوهر لا تعتبر اكثر من طقوس فولوكلورية لا علاقة للحسين بن على بها واكثر من ذلك فقد يؤدي البُعد عن الفهم الحقيقي للموقف الحسيني هذا الى مسخ مؤدى هذه الذكرى، فيغدو احدهم يحمل سيف الظالم ويقاتل الى جانبه ويرفع لواءه، فيما هو يرتدي قميصا اسود حزنا على الامام الحسين.

السابق
«السيلفي فيديو» هل يرث الستاتوس والتويت؟
التالي
معركة رفع الحصانة عن الضاهر إنطلقت… والجيش يُحرج “المستقبل” بإمتحان التصويت