تحقيقات مالية داخل حزب الله: من أين لكم هذا؟ (1/3)

بعد فضائح "سرقة التعويضات" التي جاءت بمئات ملايين الدولارات إثر حرب تموز 2006، وبعد فضيحة صلاح عزّ الدين والمليار ونصف المليار دولار التي جمع معظمها من قيادات في حزب الله، وبعد سرقة الأراضي أثناء عمليات المسح في الأعوام الأخيرة، وبعد فضائح التعامل مع "الموساد" ومع "CIA" وأدوية الكبتاغون وبيع "سلاح المقاومة"... هنا حلقة أولى عن كيف شكّل "حزب الله" لجنة تحقيقات تسأل محازبيه "المريّشين": من أين لكم هذا؟

صلاح عزّ الدينمنذ ما بعد دخول صلاح عزّ الدين إلى السجن  بدأ التفكير داخل “حزب الله” بإنشاء لجان تحقيقات مالية جدّية. فهذا الحزب الذي كان “عادياً” تقريبا قبل حرب تموز 2006، حصل على مليارات الدولارات الإضافية بعد هذه الحرب. إن مكافأة له ولصموده التاريخي أمام محاولة الاحتلال الإسرائيلي، إما لرفعه الأسهم الإيرانية على خريطة الشرق الأوسط، إما للتعويض على آلاف تدمّرت بيوتهم في بيروت وضاحيتها الجنوبية والبقاع والجنوب.

هذه الأموال الكثيرة فتحت عيون مئات آلاف اللبنانيين على تجاوزات وعلى سرقات واختلاسات جرت أثناء توزيع التعويضات على الناس. فكم من عائلة تدمّر منزلها ولم تحصل على تعويض لأنّها ليست من “بيئة الحزب” ولا تناصره في السياسة، وكم من مسؤول أو عنصر في “حزب الله” حصل على بدل تعويض عن منزلين أو ثلاثة، بما يعادل 200 مليون ليرة وأكثر، وهو لم يكن يملك منزلا حتّى.
بعدها أيضا كانت فضيحة سرقة الأراضي، التي فتحت “جنوبية” ملفّها قبل أيّام . ثم خرجت إلى العلن صرخة مدوّية مفادها أنّ رجل الأعمال صلاح عزّ الدين سرق نحو مليارا ونصف المليار دولار من “بيئة حزب الله”. وتبيّن أنّ من بين المتورّطين نوّاب ووزراء في “حزب الله”، وقيادات أمنية وعسكرية وسياسية داخل بنية “حزب الله”. وقد استدعى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله العشرات من هؤلاء وسألهم: “من أين لكم هذا”.
وإن ننسى فلا ننسى أنّ “رؤوسا كبيرة” في “حزب الله” تبيّن أنّها تتعامل مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، “الموساد”، ومع جهاز الاستخبارات الأميركي، “CIA”، وهذاأمر اعترف به الأمين العام لحزب الله شخصياً في أكثر من خطاب. وقد تبيّن أنّ بعض أسباب “التعامل” مالية.
كبتاجونومن ينسى فضائح “الكبتاغون” الذي تبيّن أنّ قياديين في “حزب الله” يصنّعونه داخل حوزات دينية في مناطق نفوذ “حزب الله”، وأبرزهم شقيق الوزير محمد فنيش، الذي خرج قبل أيّام من السجن حرّاً طليقاً.
ومن لم يسمع بابن “المسؤول الكبير في حزب الله”، وقيل إنّه ابن الشيخ محمد يزبك، رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله، الذي تورّط في بيع مخازن كاملة من “سلاح المقاومة”، إلى من؟ إلى أعداء الحزب من التنظيمات السورية المعارضة للنظام السوري!
وربما تكون أكبر الفضائح وأكثرها استمرارية هي إدخال البلاط إلى لبنان “من دون جمرك” تحت اسم “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”، وهي “فضيحة السيراميك”، المستمرّة بإعلانات تلفزيونية وبـ”ضرب سوق السيراميك” في لبنان بأسعار لا أحد يستطيع أن يعتمدها، لأنّ بائعها ببساطة لا يدفع الجمرك.
هذا ناهيك عن ملفات الاختلاسات التي اكتشفها “حزب الله” في شركة “وعد” و”جهاد البناء” معها، التي لا تبدأ باستفادة مسؤولين فيها من الإعفاءات الضريبية عن إعادة الإعمار بعد حرب تموز 2006، ولا تنتهي بحيل على مواطنين هُدِمَت بيوتهم لشرائها منهم بأقلّ من أسعارها الحقيقية.
كلّ هذا دفع حزب الله إلى تشكيل لجان تحقيق مالية. جاء القرار من مصدر المال بعدما “فحّت الريحة”. جاء القرار من إيران. وتمّ تأسيس جهاز كبير، من مئات الشبّان والشابات، هدفه سؤال كلّ من يملك قرشاً إضافياً، من المنتمين إلى “حزب الله”، سؤالا معقّدا، بعد تحقيقات أوّلية عن “وضع” الشخص موضع الشبهة، تستبق التحقيق الأوّلي معه، والسؤال هو التالي: كيف جمعت هذا المال؟، واستطراداً: من أين اشتريت هذه الشقة؟ كيف تملك سيّارتين تصرفان كلّ هذا البنزين شهرياً؟
وهكذا تدحرجت رؤوس كبيرة داخل “حزب الله”، لكن “على السكت”، خلال العام الأخير. وقد استطاعت “جنوبية” أن تحصل على معلومات من داخل الحزب، من أشخاص تأثّروا سلباً، وتضرّروا من هذه التحقيقات، أو شعروا بالتمييز وبالظلم بسبب سؤالهم: “من أين لكم هذا؟”. وبسبب ترك آخرين من دون طرح هذا السؤال عليهم.

إقرأ الجزء الثاني: تحقيقات مالية داخل حزب الله: رؤوس أمنية وسياسية (2/3)

السابق
جثة متفحمة نتيجة حريق في مبنى مهجور في برج حمود
التالي
إطلاق اللبناني المخطوف في الموزمبيق