عن المبادرات الّلبنانية الّتي لا تمسك بالثور من قرنيه

بري
تَختصر المبادرات البنانية بزيارات بروتوكولية وتغيب عنها الحلول الوسطى وإمكانيات التسوية، وغالباً ما تتضمنّ شروطاً تعجيزية تحكم عليها بالفشل قبل أن تبصر النور، فتبدو أشبه بـ"الضحك عالدقون".

كلّما سمعنا بمبادرة لبنانية سياسية لحلّ الأزمة، أي أزمة، وجدنا في الأمر ربما بصيص أمل، على الرغم من إيمانا بعقم النظام اللبناني. ليست توقعات التفاؤل نوعاً من الهباء، بل أشبه بتمسّك الغريق بعود خشبي وحيد عائم على سطح المياه.
المبادرات، على الطريقة اللبنانية، تنطلق دائماً من الإعلام، أي الضجة والصخب، فيما يشبه “التهيص”: “مبادرة! إنّها مباردة، يا سلام، سنخرج من الأزمة قريباً”. المرحلة الثانية من المبادرة الّتي تبقى غالباً بلا خطّة ويلتزم أحياناً مطلقوها السرّيّة لزيادة “الإثارة والسوسبنس”، هي الزيارات.
على مدى أيّام طويلة، وأحياناً أسابيع، يصبح الخبر الرئيسي زيادة وفد من حزب فلان إلى حزب علّان أو الشخصية السياسية المرموقة. زيارات وتصريحات بعدها، أشاد فلان بالمبادرة واعتبر علّان أن المبادرة وتنافشنا ولا خلاف على الثوابت، إلخ.
وغالباً ما تتحفظ الأطراف السياسية عن إبداء رأي واضح بالمبادرة أو التصريح عمّا إذا كانت ستلؤدي إلى حلّ جذري، ويكتفون بالقول “هناك مؤشرات إيجابية”. لكن، وفجأة، بعد الذهاب والإياب وشرب القهوة والمواعيد، يأتي صاحب المبادرة ليزفّ لنا خبر فشلها أو بالأحرى لينعيها.
وإزاء كل هذا، تبقى المبادرات الّتي يهاجمها الخصوم في الإعلام، ويشيدون بها بعد الاجتماع مع مطلقيها، أشبه بوهم أو أمرٍ مبهم. وغالباً ما تتضمنّ شروطاً تعجيزية تحكم عليها بالفشل قبل أن تبصر النور، فتبدو أشبه بـ”الضحك عالدقون”.
وفي هذه الأثناء، تستمر الأزمات “مكانك راوح”، وتتصاعد وتيرة الأحداث بلا أيّ افراج في الأفق. ونستمر بلا أي مسؤول أو حزب قادر على “الإمساك بالثور من قرنيه” وإيجاد حلول. وربما الأمر في صلبه مرتبط بالإرادة وغيابها لدى المسؤولين المستفيدين من الوضع القائم. وفي ظلّ كل هذه الشرذمة، يبقى لبنان أشبه بغلاف لكتلة من الهشاشة، ولا نعرف كيف لا يزال متماسكاً حتّى الآن.

السابق
النهار: اسلاميون متشددون يحرقون مجسماً للصليب في عين الحلوة
التالي
عن إعلام «توم وجيري»: التكرار بفيد الشطار