إرتجال السلطة اللبنانية من الضنية 2000 إلى عرسال 2014

استمرت سياسة السلطة اللبنانية اتجاه الإسلاميين السنّة، منذ أحداث الضنية في العام 1994 حتّى العام 2014 مرورا بعبرا وغيرها ووصولا إلى أحداث عرسال، في غياب أيّ تصور واضح للحدّ من الأزمات الأمنية ومنع السلاح غير الشرعي من تدمير البلاد.

يبدو أن السلطة اللبنانية تسلك سياسات ارتجالية في مختلف الاتجاهات الّتي تطال جوانب حياة المواطنين كافة. وقد تجلت هذه السياسة الارتجالية من خلال تعاطيها الأخير مع حوادث عرسال، طريقة نظرها إلى مشكلة الإرهاب ومحاربتها.

لقد اقتصرت نظرة السلطة بمكوناتها على الجانب الأمني، ورأت أن العنف وحده قادر على الوقوف بوجهه، فكانت تعالج النتائج من دون الالتفاف إلى الأسباب العقلية لنشوء المجموعات المتطرفة ونموها في بيئة حاضنة. البداية كانت في العام 2000 عندما قضت على مجموعة الضنية التي رأسها بسام كنج، واعتقدت أن مقتل المجموعة كفيل بإنهاء الظاهرة.

ويبدو أن السلطة لا تعرف أن هناك علم اجتماع واختصاصيون يعرفون أن المجتمعات المنغلقة والمهمشة وغياب فرص العمل والتنمية المتوازنة، كفيلة بإنعاش الأفكار المتطرفة التي تدفع إلى الإرهاب وخصوصاً إحساس المجموعات بغبن ما وبأس وإحباط من القدرة على التغيير.

دق ناقوس الخطر مجدداً في العام 2007 حين هاجم الجيش اللبناني مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، وألقى الخطاب السياسي الرسمي من مختلف الضفاف الاتهام بوجه “الغرباء” ولم يجد المسؤولون وقتاً للتفكير جدياً بأوضاع منطقة الشمال المحرومة والتي شكلت البيئة التي أنتجت مثل ظاهرة فتح الإسلام، اقتصرت المعالجة على القمع والاعتقال، مئات من اللبنانيين اعتقلوا منذ ذلك الحين للاشتباه بهم، ومعظمهم لم يجر محاكمته من الآن، وعلى الرغم من الحوادث التي جرت في سجن رومية والتي كانت تنتهي بوفد رسمي بتسريع المحاكمات لكن ذلك لم يحصل حتى الآن.

وبعد اندلاع الثورة السورية، لم يتصرف المسؤولون بجدية، بل كلّ طرف تعاطى بكيدية اتجاه الطرف الآخر، لم يتفقوا على خطة لمواجهة النتائج التي قد تنجم عما يحدث في سوريا. لا أحد ينكر مشاركة العشرات من اللبنانيين من الطائفة السنية إلى جانب منظمات المعارضة السورية العسكرية بمختلف اتجاهاتها وخصوصاً المتطرفة منها، إلا أن الزعامات السنية السياسية لم تعلن أي موقف إيجابي من هذه المشاركة، وكانت ممارسة السلطة ملاحقة واعتقال من تطاله من هؤلاء المجموعات. في المقابل، أعلن مكوّن أساسي من مكونات السلطة جهاراً أنه يقاتل إلى جانب النظام السوري ويستخدم الحدود المشتركة للدخول إلى سورية والخروج منها من دون أي إجراء رسمي يمنع هذا السلوك، فكان من الطبيعي، وفي ظل الانقسام السياسي الحاد أن يتدهور الوضع عند حدود عرسال، وعلى الرغم من مرور أكثر من عام من التحذيرات التي أطلقت لمعالجة الوضع في تلك المنطقة، إلا أن سياسة السلطة بقيت كما هي، سياسة تعمل على ردة الفعل، ولا يثنهي سياسة لمواجهة مخاطر النزاع في سورية.

شقيقة أحد الجنود المحتجزين عند أحد التنظيمات المتطرفة صرحت أمام وسائل الإعلام أنها تطالب بإطلاق سراح شقيقها ورفاقه وأن مشكلة النصرة وداعش هي مع حزب الله الذي خرج إلى المشاركة في القتال في سوريا وعلهيا مواجهته هناك وليس الاعتداء على اللبنانيين، إنها صورة معبرة انقسام سياسي حاد، كل مكون يغني على ليلاه ويصر على صوابية موقفه، والنتائج يتحملها المواطنون.

مكافحة الإرهاب والتيارات المتطرفة لا تكون بمزيد من التطرف وبالعنف وحده. المعالجة تبدأ بالاعتراف بخطأ السياسات السابقة، والتوصل إلى تسوية سياسية تبدأ بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية التي قد تشكل مدخلاً لبناء سياسة وطنية لتنمية مستدامة تبنى سداً فعلياً في وجه الإرهاب.

السابق
لماذا لم يتحرك العالم العربي أكثر؟
التالي
مناع يكشف معلومات فائقة الأهمية عن داعش في «أموال الامارة»