ضياع في بغداد.. وإيران تراهن على دور سعودي

شاب المشهد السياسي العراقي حال من الضياع خلال الساعات الأخيرة في ظل عدم نجاح البرلمان الجديد حتى الساعة في إطلاق العملية السياسية من جديد في البلاد، وسط استمرار التصادم الإقليمي والدولي برغم المخاطر المهددة للمنطقة برمّتها، في وقت كانت لافتة الدعوة الإيرانية التي وجهها مساعد وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية، أمس، بهدف «إجراء حوار جاد وبنّاء وفاعل ومؤثّر»، مبدياً اعتقاده أنّ «السعودية باعتبارها دولة مهمة بإمكانها أن يكون لها تعاون بنّاء وإيجابي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مكافحة التطرف والقضاء على الحرب والصراعات الطائفية في المنطقة بحيث ستكون نتائجها إحلال السلام والاستقرار والهدوء في جميع دول المنطقة».

وتسيطر حال الترقب على الشارع العراقي مع اقتراب الجلسة الثانية للبرلمان الجديد المقررة غداً، وسط انتظار المتابعين لموقف «التحالف الوطني» بشأن حسم هوية المرشح إلى منصب رئاسة الوزراء، فيما بدا أنّ انقساماً يقع بين أقطابه، وأهمهم رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» عمّار الحكيم والزعيم الديني مقتدى الصدر، المؤيد لأن يكون المرشح من كتلة المالكي، «ائتلاف دولة القانون»، وليس رئيس الوزراء نفسه.
وترافق الغموض في المشهد السياسي العراقي مع الظهور المفترض لزعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» أبو بكر البغدادي في قلب مدينة الموصل، معرّفاً الناس بنفسه في «صلاة الجمعة» الأخيرة، في حدث قالت السلطات العراقية، أمس، إنها تتحقق من صحته.
وفي مشهد انقسام عراقي آخر، قال رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني في حوار نشرته صحيفة «فيلت آم زونتاغ» الألمانية، أمس، إنه «لدينا هنا (في العراق) هوية كردية وأخرى سنية وثالثة شيعية ورابعة مسيحية، لكن ليس لدينا هوية عراقية»، مشدّدا على ضرورة هذا الاستقلال للإقليم «كحق طبيعي لأي أمة».
وبعد جلسة برلمانية أولى منيت بالفشل في ما له علاقة بانتخاب رئيس جديد للبرلمان وإطلاق العملية الدستورية المفضية إلى تشكيل الحكومة الجديدة وقبل ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية، سرّع «التحالف الوطني» في الساعات الأخيرة من وتيرة المفاوضات ومن اجتماعاته، حيث كان من المفترض أن يُعقد اجتماع مساء أمس، لممثلين عن مختلف الكتل المنضوية تحت رايته، في حراك قد يفضي إلى اختيار شخصية لرئاسة الحكومة المقبلة قبل جلسة الغد. ويضم «التحالف الوطني» ائتلاف «دولة القانون»، الحائز على أكبر عدد مقاعد برلمانية في انتخابات شهر نيسان الماضي، و«التيار الصدري» و«المجلس الأعلى» برئاسة عمار الحكيم وكتلة «الفضيلة» و«تيار الإصلاح» و«المؤتمر الوطني» وسياسيون مستقلون، فيما يترأسه رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري. ومثّل «التحالف» في فترات سابقة الجهة التي تسمي المرشح إلى رئاسة الوزراء.
وفي إشارة إلى الانقسام داخل «التحالف»، أعرب مقتدى الصدر، في بيان أصدره مساء أمس الأول، عن اعتقاده بأنّ «تبديل المرشحين»، في إشارة إلى استبدال ترشيح المالكي بترشيح شخصية أخرى من «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه، هي «خطوة ستكون محمودة ومشكورة في هذا الظرف العسير الذي يمر به البلد». (تفاصيل ص 14)
من جهته، بدا أنّ «المجلس الأعلى» يرى أنّ مواقف المالكي قد تفضي إلى خروجه من عباءة «التحالف الوطني». وفي هذا الصدد، قال القيادي في «المجلس» صلاح العرباوي لـ«السفير»، «في ما يبدو إنّ موقف المالكي رد فعل لقرار التحالف الوطني رفض الولاية الثالثة له». وأوضح «إن كانت دولة القانون تفكر بالخروج من التحالف فإن ذلك لن يضر بل إن معناه نهايتها سياسيا وجماهيريا، فمكونات التحالف الأخرى متماسكة وما يجمعهم أنهم يدركون خطورة الموقف».
إقليمياً، قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في حديث إلى قناة «العالم» أمس، إنه «في حال طرح المالكي رئيسا للوزراء… فسندعمه بقوة. وإذا اختار البرلمان شخصا آخر فالجمهورية الإسلامية في إيران ستدعمه كذلك. انه شأن عراقي داخلي»، مشيراً إلى أنّ ائتلاف «دولة القانون»، الذي تصدر نتائج انتخابات شهر نيسان التشريعية بحصوله على أكثر من 90 مقعداً من أصل 328، لديه «حقوق» بحسب المنطق البرلماني في البلاد.
وفي سياق آخر، قال عبد اللهيان «إننا نعارض أي تقسيم للعراق، ونرى انه فتنة جديدة»، مضيفاً انّ «الحديث عن تقسيم العراق إنما يعود إلى مخطط صهيوني» حيث ذكّر بـ«سرور وترحيب» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أحاديثه الأخيرة بشأن استقلال إقليم كردستان. وتابع قائلاً إنّ «الحديث عن استقلال كردستان العراق ستكون نتيجته عودة كردستان إلى ما قبل عقود عدة، وإننا لفتنا انتباه مسؤولي كردستان إلى هذا الموضوع بشكل ودي وأخوي».
وحول الدور السعودي في الأزمتين العراقية والسورية قال عبد اللهيان «نحن نعتبر الدور السعودي في التطورات الإقليمية الأخيرة سواء في سوريا أو في العراق، غير بنّاء ونعتقد بأن السعودية باعتبارها دولة مهمة في المنطقة بإمكانها أن تقوم بدور بناء فيها». وأضاف «أعلنا مرارا للمسؤولين السعوديين استعدادنا للحوار للمساعدة في إعادة السلام والاستقرار والأمن إلى المنطقة ومكافحة الإرهاب»، مؤكدا «أننا في مراحل ومستويات مختلفة وعلى هامش الاجتماعات الدولية أو عبر القنوات الرسمية والديبلوماسية قد قمنا بتبادل مطالبنا وأفكارنا». وتابع «للأسف فإنّ أصدقاءنا وأشقاءنا في السعودية وبدل أن يحرصوا على إجراء حوارات جادة وصريحة يرغبون بحوارات إعلامية …نحن ندعوهم إلى إجراء حوار جاد وبناء وفاعل ومؤثر ونظن بأنّ السعودية باعتبارها دولة مهمة بإمكانها أن يكون لها تعاون بناء وايجابي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مكافحة التطرف والقضاء على الحرب والصراعات الطائفية في المنطقة بحيث نتائجها ستكون إحلال السلام والاستقرار والهدوء في جميع دول المنطقة».
وتابع «لم نجر لحد الان مفاوضات مباشرة مع المسؤولين السعوديين حول التطورات الاخيرة في العراق ولم نقم بايفاد اي مندوب الى السعودية لاجراء مباحثات حول وضع السيد المالكي او بدلائه وكما اكدنا ان هذا الموضوع هو موضوع داخلي بحت يعود قراره للعراقيين الا اننا نرحب بأي حوار مع السعودية لتسوية المشاكل الاقليمية والمساعدة في تسوية الازمة والتطرف والصراعات الطائفية في المنطقة».
وفي جانب التطورات الميدانية في العراق، فبالرغم من أنّ الخطوة الأخيرة لـ«داعش» بنشر مقطع فيديو لزعيمها في مدينة الموصل وهو يؤمّ مصلين مثّلت تحديا قويا للقوات العراقية، إلا أنه بدا أنّ الأخيرة لم تبال بالأمر على الوجه المعلن، وقالت إنها تدقق في صحته، معلنة في الوقت ذاته مقتل قيادي بارز في التنظيم وأكثر من مئتي عنصر في مناطق متفرقة من البلاد.
وقال المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا، في مؤتمر صحافي في بغداد، إنّ القوات الأمنية تمكنت من قتل «أمير» في منطقة المشاهدة شمال بغداد يدعى حسين فراس المشهداني، وملقب بـ«ابو دحام». وأضاف أنّ «قيادة عمليات صلاح الدين مستمرة بإدامة الزخم لتطهير مدينة تكريت، وقد تمكنت من قتل نحو 30 إرهابيا».
وتابع عطا أنّ «110 إرهابيين قتلوا في قضاء بيجي» الذي يضم أكبر المصافي النفطية في البلاد، إضافة إلى «مقتل أكثر من 20 آخرين أثناء قيامهم بتفخيخ مبنى مجلس محافظة صلاح الدين».
وأشار عطا إلى أنه في محافظة الانبار «تواصل القوات الأمنية تقدمها، وقتلت قناصاً و27 إرهابياً في منطقة الهايس، و10 آخرين في مناطق أخرى».
وقال المسؤول العراقي كذلك إنّ طيران الجيش وجه «ضربات نوعية» استهدفت مناطق متفرقة بينها تلعفر في محافظة نينوى شمالا، والقائم قرب الحدود العراقية السورية غربا، ومناطق أخرى في محافظة ديالى إلى الشمال الشرقي من بغداد.

السابق
بريطانيتان انضمتا الى «الدولة الاسلامية»
التالي
برو في اليوم 19 لاعتصامه: غياب المجتمع المدني