هكذا فرطت داعش.. وهكذا يُقضَى على القاعدة بسوريا

داعش
لم تتمكن "داعش" من الحفاظ على الاحترام الذي ابداه السكان لجبهة النصرة، ولم يكن المواطن السوري ليرفض بالكامل المجموعات الفاسدة. بل هو بطبيعته يقبل حجما محدّدا من الفساد طالما أنّه متروك لشأنه في الحياة وامنه الشخصي والاسري مصان. وبالتالي فإنّ مبالغات الدولة وجبهة النصرة لم تلقَ قبولا لدى المواطنين المحليين بل أثارت لديهم مخاوف كبيرة واستنهضت الحساسية العائلية والمناطقية.... وهكذا فرطت داعش وهكذا يمكن القضاء على القاعدة في سوريا بعدما قوّاها النظام

لم تتمكن “داعش” من الحفاظ على الاحترام الذي ابداه السكان لجبهة النصرة، ولم يكن المواطن السوري ليرفض بالكامل المجموعات الفاسدة. بل هو بطبيعته يقبل حجما محدّدا من الفساد طالما أنّه متروك لشأنه في الحياة وامنه الشخصي والاسري مصان. وبالتالي فإنّ مبالغات الدولة وجبهة النصرة لم تلقَ قبولا لدى المواطنين المحليين بل أثارت لديهم مخاوف كبيرة واستنهضت الحساسية العائلية والمناطقية…. وهكذا فرطت داعش وهكذا يمكن القضاء على القاعدة في سوريا بعدما قوّاها النظام.

جبهة النصرة اعلنت الحرب.. وحزب الله يرفع جهوزيته الأمنية

في سوريا وخلال الاعوام الممتدة ما بين 2003 و2007 كانت الخلايا الامنية التابعة لتنظيم القاعدة تنشط داخل البلاد، وكانت قوات الامن في النظام السوري تطاردها حتى لا يشتد نفوذها، وتسمح لها باستخدام الاراضي السورية كمعبر نحو العراق، خصوصا في مناطق مثل دير الزور.

ابتداءا من العام 2006 شنت الاجهزة الامنية السورية حملة تصفية ضدّ ما يعرف بالقوى الاسلامية، مستثنية المعاهد الدينية السلفية في البلاد، التي انتشرت كالفطر في منافسة محمومة بينها وبين الاستثمارات الايرانية في تشييع قرى من الريف السوري وانشاء المجمعات السكنية على اطراف المدن وتكريس نفوذ سياسي وديني بين السكان ذوي الاصول السنية كما بين بعض الفرق الشيعية السورية.

رغم بداياتها الأقرب الى العلمانية والتحررية المحضة، إلا أنّها، ومرّة جديدة، خرجت الثورة من المساجد. عام 2011 اشعل الشبان من الفئات العمرية المتوسطة (20 – 30 سنة) الثورة، وكان الممرّ الاكثر يسرا لخروج التظاهرات هو استخدام المساجد  بعد صلاة يوم الجمعة.

الثورة السورية

منذ الايام الاولى بدأ النظام وحلفاؤه باستخدام العنف في محاولة اخماد الثورة، ولم يكرّس النظام الكثير من الوقت لاتخاذ تدابير اصلاحية، ويؤكد لي مسؤولين في حركة “حماس”، الفلسطينية التي كانت متحالفة مع النظامين السوري والايراني، والتي كانت على تنسيق مباشر مع حزب الله، أنّ الاطراف الثلاثة هذه كانت حاسمة منذ الايام الاولى للثورة في ضرورة العمل إخمادها بالقوة، ولم تبذل أيّ جهد للتفاهم مع القوى الاجتماعية فيها.

اطلق النظام السوري على دفعات جيشا من المعتقلين، قال إنّهم كانوا من ضمن المتظاهرين والمخططين للتظاهرات، الا انه افرغ سجونه من السجناء الاسلاميين الموقوفين منذ 2006 و2007، وبعض سجناء الاعمال الاجرامية. وضمّ الاخيرين إلى مجموعات الشبيحة او ما يسمّى باللجان الشعبية، بينما ترك الحرية للمفرج عنهم من المعتقلين الاسلاميين ليتحركوا في البلاد.

السجناء الاسلاميون الجهاديون

السجناء الاسلاميون الجهاديون تضاعفوا داخل  السجون من خلال تنظيم انفسهم واقناع من كانوا معهم في السجن، وحين خروجهم كانت وجهتهم واضحة، وبأغلبيتهم السورية اتجهوا الى اماكن اشتداد الثورة او حتى الى دمشق ونحو المناطق الحدودية.

في النصف الثاني من العام ٢٠١١ وبينما وجه ايمن الظواهري رسالة الى الشعب السوري يعتذر فيها عن البعد الذي يحول دون مساعدته كان العمل جاريا بين ابو بكر البغدادي وابو محمد الجولاني على ارسال المقاتلين الاجانب الى سوريا.

ورغم نبذ السوريين، من المواطنين والثوار، لمن جاؤوا من خارج سورية، في بداية الثورة، وعدم السماح لهم بالسكن بينهم، إلا أنّه لاحقا تمّ تبنّيهم بشكل كامل وذلك لأسباب عدّة ربما أهمّها:

أولا وقبل كل شيء: ترداد النظام مقولة أنّه يواجه تنظيم القاعدة والتكفيريين، ما اعطى السكان المحليين والمشاركين بالثورة صورة ايجابية عن هؤلاء، فإن كان النظام يعتبرهم عدوه الاول فإنّهم بلا شكّ جديرون بالاحترام والتعاطف.

ثانيا العامل الطائفي: الذي كان النظام كما القوى الثائرة يغذيانه بشكل متواصل، فالنظام كان طموحه تحويل الثورة إلى حرب اهلية بخلفية طائفية، بينما كان الثوار في محاولة تكتيكية مستمرّة لحشد القوى وشحذ همم المقاتلين وجلب المزيد من المتطوعين، وكانوا دائما يحاولون تظهير الجانب الديني المذهبي للصراع.

ثالثا توافر التمويل الكبير: لدى القوى الجهادية والموارد المادية والبشرية والقتالية.

رابعا الانضباط الاخلاقي الكبير: الذي قدمت نفسها هذه المجموعات من خلاله، خصوصا  في حقبة جبهة النصرة، وقبل ظهور تنظيم  الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش”.

لم تتمكن “داعش” من الحفاظ على الاحترام الذي ابداه السكان لجبهة النصرة، ولم يكن المواطن السوري ليرفض بالكامل المجموعات الفاسدة. بل هو بطبيعته يقبل حجما محدّدا من الفساد طالما أنّه متروك لشأنه في الحياة وامنه الشخصي والاسري مصان. وبالتالي فإنّ مبالغات الدولة وجبهة النصرة لم تلقَ قبولا لدى المواطنين المحليين بل أثارت لديهم مخاوف كبيرة واستنهضت الحساسية العائلية والمناطقية.

على المستوى السياسي والمذهبي فإنّ النزاع الذي تمكن حزب الله والنظام السوري من تحويله من حركة احتجاج سياسية وعسكرية الى حرب مذهبية واهلية قد فرض على كل الاطراف في سوريا الانحياز الى شعار مذهبي للاجابة على التحدي المطروح امامهم. خصوصا ان لا وجهة اخرى او مشروع سياسي او معارضة سياسية متماسكة يمكنها تقديم اجابات مختلفة على التحدي الذي تواجهه سوريا. وبالتالي فإنّ هذه الاطراف، التي لم تكن المسألة المذهبية مطروحة على رأس اولوياتها، قد باتت اليوم، وبعامل الفعل وردّ الفعل الموازي والمساوي، تلعب في ملعب تنظيم القاعدة بجناحيه.

ازالة آثار الايام الذهبية لتنظيم القاعدة وتصفية خلاياه نفسها قد تتطلب توافقات دولية حول الملف السوري، اي تتطلب فقدان مصلحة الاطراف المتدخلة في دعم وجود القاعدة في سوريا، وستتطلب زمنا طويلا يقاس بالاعوام. لكنّ الغطاء المحلي سيزال عن مقاتلي تنظيم القاعدة الاجانب والمحليين، وسيكفّون، في نظر المواطن السوري والثائر السوري، عن كونهم مقاتلين ساعدوا الثورة في اصعب ايامها وحرّروا جزءا من البلاد، وسيتحوّلون إلى مجرّد قتلة يفجرون المباني بسكانها ويسرقون موارد البلاد ويقتلون نساءها وقادة ثورتها.

سكان الريف ومقاتلوا الجيش الحر اليوم منقسمون حول جبهة النصرة، لكنّ الاغلبية العظمى تجمع على اعتبار النصرة هي “داعش”، لكن بنسبة ذكاء اعلى. والسكان هم من حرّض القوى السورية للقضاء على داعش (في السادس من كانون الثاني العام 2014). كان الامر ينتظر الظرف الاقليمي والدولي المناسبين، والسكان هم من خاض المعركة، وهم من انتصر، الا ان ذلك لا يلغي بحال من الاحوال واقع الحقد الذي تراكم لدى قادة الفصائل ومقاتلوها، فالقادة باغلبهم اما تعرضوا لتهديدات من قبل امراء داعش، او تم تكفيرهم، او تهديدهم بالتكفير.

اقل من عشرة ايام انقضت فتطهّرت المناطق من داعش، وانحسر وجودها وباتت غير مؤذية نسبيا، وعشرة ايام اخرى من الاعمال الحربية المتفرّقة كانت كافية لاستتباب الاوضاع في الشمال. الكلفة كانت هائلة، تقريبا توازي كلفة قصف مدينة حلب بالبراميل من طائرات النظام.

بعدها لم تُبدِ الكثير من الفصائل مانعا من مشاركة جبهة النصرة في القتال على المحاور والمشاركة في الهجمات ضد مواقع النظام وفي المعارك الكبرى، الا ان العديد من الفصائل رفض تمدّد جبهة النصرة مجددا الى المواقع التي كانت تحتلها داعش سابقا، او حتى تواجدها داخل المناطق الخاضعة لنفوذ الفصائل السورية.

رغم قسوة التجربة الداعشية الا أنّ العقل السوري ميّال الى التسامح والنسيان وردّ الجميل لمن يدعمه، ومع الوقت ستعود جبهة النصرة الى التمدد بين المواطنين السوريين المدنين وقرب منازلهم في غير مكان. بينما تخوض اليوم “داعش” قتالا مسميتا على جبهتي العراق وسوريا لتحقيق طموحها بالعودة الى الماضي. وهي ستنجح في جرّ سوريا والمناطق السنية في العراق الى الماضي، واخراجها من الحداثة بحال لم يتمّ التحرك سريعا.

رابط الموضوع الاصلي: http://goo.gl/kkIu8V

السابق
استراليا تتخلى عن الاشارة الى القدس الشرقية «بالمحتلة»
التالي
غسان سلامة: الرئاسة ليست الضمانة للمسيحيين